د.احمد رمضان يكتب : قراءات في نصوص أدبية (1) بلوغ- جحود – السجينة

الأدب النسوي ليس مصطلحًا قد تم الاتفاق عليه، فما هو بجنس من الأجنس الأدبية، فلم يزل حتى الآن محل اشتباكٍ بين مؤيدٍ لهذا الحق في التعبير وبين معارض لهذا التمييز، الأول يرى خصائص في هذه الكتابات والثاني يرفض التمييز الأدبي المبني على قضية بعينها سواء كان مناصرها ذكرًا أم أنثى. إلا أن أصحاب الرأي الثاني في الغرب ليس لديهم مانعٌ في هذا التجنيس الذي يشترط فيه أن يتجاوز النظرة التقليدية للمرأة كما تقول جانيت تود إلا أن الظاهر أن لدينا الكثير من السمات التي تطفح بها الكتابات النسوية في مختلف الأجناس الأدبية، خاصة في الشرق الأوسط الذي تتحايل فيه الكاتبات للانفلات من النقد الشخصي والتهرب من النقد النفسي القائم على تحليل شخص الكاتب وطريقة تفكيره، وهكذا تسير الكتابات النسائية بين التقريظ والمؤاخذة.

بيد أن هنالك تعابير بعينها ومشاعر بدورها وألفاظًا متكررة خفية وعلانية، تُظهر كمًّا مشتركًا يرقى من وجهة نظري إلى مرتبة التجنيس المستقل.

على سبيل المثال، سنجد أن مشاعر الأسر والتكبيل تشيع في غالب الأدبيات النسائية بشكلٍ يشبه الصرخات التي تصرح بها بعض النهايات في القصص والقصص القصيرة والقصيرة جدًا.

مع الأخذ في الاعتبار أنني لا أنظر إلى القضية من زاوية الأحقية من عدمها متجاوزًا حق المنح أو الاستلاب، مبتعدًا عن النقد الرومانسي – والذي يرتكز على اختبار صدق مشاعر الكاتب فيما صوره، ذلك أن الحال قد تجاوز هذا الاختبار لكثرة الشواهد، فلا حاجة لنا إلى الاستدلال التاريخي أو استحضار أيٍ من الواقع البيئي، بالإضافة إلى أن بعض الكاتبات لم يتركن مجالًا لسرد الأسباب التي ليست ضربًا من الخيال في شيء ستستشف من تلقاء نفسك حين تقرأ المجموعة القصصية “رغبة” لسمية عبد المنعم أن الأنثى حبيسة التمييز الجنسي.

فسمية تضرب على القضايا الشائكة. في قصة “بلوغ” على سبيل المثال، لجأت الكاتبة إلى المباشرة، ذلك أنها ربما رأت أن السرد في هذا المضمار لا يحتمل مزيدًا من المواربة وأن الأذن المحيطة بالمرأة لن يجدى معها سوى الطرق المرتفع، فلم ترَ سبيلًا إلى استحضار بعض من الصور الأعمق والتراكيب الفنية التي قد تعرقل الرسالة التي احتوتها القصة، فاكتفت بسرد مشهد الفتاة الهالعة من أمها حين فاجأها ما يأتي النساء.

شيرين طلعت صاحبة المجموعة القصصية “مرايا القلب” قد باغتتنا في قصة “الجحود” بنهاية غير متوقعة تجعل القارئ يعود إلى القصة مرةً أخرى، فقد جعلت من المرأة جانيًا ومجنيًا عليه، واعتمدت فنيًا على أن تدهش القارئ في نهاية القصة وتفتح بابًا من التأويلات حين تكتشف أن العجوز المنبوذة في دار تسكنها الغربان، ما هي إلا أم نبذتها ابنتها جرّاء زيجة إجبارية صيّرت حياتها جحيمًا.
على نفس المنوال كتبت ريهام زهران “السجينة” – التي نشرت في جريدة الشروق- ولم تبتعد بالعنوان عن المضمون، حيث انتحرت البطلة الصغيرة بعد حياة قصيرة بائسة عاشتها في دار زوجها الذي أجبرت عليه.

الملفت في القصص الثلاث أن الأم كانت حاضرة بقوة كنعصرٍ مناوئٍ للقضية، فهي جزءٌ فعّالٌ في البيئة التي تحيط بطلة الأقصوصة، فالاشتباك محتدمٌ مع المجتمع بكل عناصره وليس مع العناصر الذكورية، وليست الأم فحسب بل أرى أن الكاتبات الثلاث رحن بتعمد يجعلن كل الشخصيات الثانوية بمنأى عن الشخصية الأولى وهي الأنثى الضحية وليست الأنثى فقط، ومن هنا قد نبدأ الدخول إلى العناصر الفنية في القصص المطروحة فسمية عبد المنعم رأت أن الأمر لا يحتاج سوى قصة قصيرة، ربما لا يعنيها في الأمر سوى اللحظة المأزومة التي عانتها الفتاة البالغة ولا تحتاج القصة القصيرة سوى هذه اللحظة التي تشكل عماد هذا الجنس الأدبي، ولم تلجأ إلى وصف شيءٍ أو شخصٍ سوى مشاعر الشخصية الرئيسية التي أرادت أن تضع لحظتها هذه في دائرة الضوء، ثم انتهى المشهد بشعور الفتاة بالوحدة التي أرجأتها إلى البكاء، بعد أن تجهمت فيها أمها، ثم راحت سمية تزيد الطين بلة وتزيد الفتاة انهيارًا بغلق الباب، وأكثر ما أثارني فيما طرحته سمية هو غلق الأم الباب على ابنتها، الأمر الذي يضيف على حرج الفتاة شعورًا آخر وهو أنها قد أصبحت جرثومة، لهذا أجادت سمية في نقل المشاعر بصورة صريحة.
أما شيرين طلعت فقد لجأت إلى مزيدٍ من الفنيات في قصتها المذكورة فقد جعلت لكل أنثى من الإناث الثلاث شعورًا مستقلًا بالوحدة، فالشخصية الرئيسية” الراوي” هنا فتاة صغيرة يعاني أخوها من التأتأة التي تعيق التواصل بينهما فلا تجد الصغيرة بدًا من احتضان أخيها المغترب عنها، كذلك الأم التي تولى إلى غرفتها باكية إثر استحالة التفاهم بينها وبين زوجها، فضلا عن أهم الشخصيات الثانوية في قصتها وهي العجوز التي تسكن البيت الخرب، شيرين قد نظرت إلى الأمر نظرة شاملة معتمدة على قريحتها الأدبية وقدرتها على المناورة وتأجيل الدهشة وفهم العنوان إلى جملة النهاية.

أما ريهام فقد أقحمت العناصر الذكورية بشيء من التوضيح، وراحت تصف بعض المشاهد بشيء من التفصيل ووضعت البطلة ضحيةً لموروثات التمييز الجنسي الذي يمارسه الآباء، فيُنتج الشخصية الذكورية المتسلطة، وحينما انتقلت البطلة إلى زوجها لم تجد الصغيرة أمامها سوى الانتحار، فقت أحكمت الكاتبة مسبقًا غلق جميع العوامل البيئية المؤدية إلى النجاة.

وبما أنه لابد من وجود شوائب في أي منتج كتابي خاصة، فسمية رغم إحكامها زمام المشهد إلا أنه – من وجهة نظري الخاصة- كان من الأجدى أن تقوم الفتاة بمهاتفة صديقتها لا انتظار مقابلتها، كان هذا طريقًا أجدى إلى تكثيف اللحظة المأزومة، خاصة أن الكاتبة لم تصف شيئا يفيد أن الحوار بين الفتاة وصديقتها قد تم في مقابلة شخصية ولم أعرف ذلك إلا حينما انتهى المشهد بكلمة”غادرتها”، بالإضافة إلى أن الهاتف في هذه اللحظة أوقع سلوكيًا خاصة لدى الفتاة في لحظة كهذه.

شيرين طلعت رغم جودتها الفنية العالية إلا أن شيئًا ما ينقص قصتها وهو سبب قصف الدار التي تسكنها الجدة، فقصف الدار حدث لم تذكر الكاتبة شيئًا عما يخصه من الزمان والمكان.
أما ريهام زهران فيشوب قصتها بعض الترهل والتوصيف الزائد.

ولا يمكننا في النهاية سوى تقديم الشكر لهذه الأقلام المضيئة الراقية بين أركان وسط أدبي مأزوم، متمنين لهن مزيدًا من الإبداع، منتظرين منهن الكثير والكثير، وأتمنى أن أكون حللت ضيفًا خفيفا على ما كتبن.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار