فى عيد سيامته| الأنبا مارتيروس تلميذ «نسر البرية» في خدمة الشعب بشرق السكة الحديد  

خرج من رحاب بلدته الأصلية بمركز كوم حمادة التابعة لمحافظة البحيرة وهو فى السادسة والعشرين من عمره قاصدًا الرهبنة في براري «شهيت “بوادى النطرون، غير عابء الأتعاب والمصاعب طامحًا فى النُسك والعبادة والترابط مع الله بعيدًا عن ضجر الحياة وصخب المدن.

هرول مسرعًا الشاب سمير عزيز عطا الله – الأنبا مارتيروس حاليًا – إلى نيافة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة وتوابعها والخمس مدن الغربية ليحظى مباركة إنطلاقه للحياة الديرية، بعدما راوضه حلم الرداء الأسود والألحان السماوية، بعد غمار الخدمة الطويلة فى كنائس كوم حمادة وغيرها.

بعدما حقق أولى الخطوات بإجتياز رحلة الدراسة بأمتياز كالعادة وحصل على بكالوريوس التجارة قسم إدارة الأعمال من جامعة الإسكندرية، وسجلا حافل من الإنجازات فى خدمته بوسائل الإيضاح وغيرها فى الكنائس، كان على موعد اللقاء.

فبراير 1988 التقى الشاب سمير “الأنبا مارتيروس حاليا” مع البابا الراحل شنودة الثالث وتبادل الحديث وبعدها أشار البطريرك إليه بالذهاب إلى دير الأنبا بيشوى لحين انتهاء اعمال البناء والتجديد بدير العذراء والقديس يحنس كاما الشهير بـ«السريان»، والذى يبدو إنه قصده للرهبنة.

وبدأت الرحلة من الجلباب الأبيض وصولًا إلى رداء ومهام الأسقفية – حاليًا – مضى خمسة شهور فى دير الأنبا بيشوى المجاور للسريان وبعدها إتجه للدير الذى طمح فيه الرهبنه لينال من التلمذة والعلوم الروحانية والطقسية على يد الراهب القمص فلتاؤوس السرياني (المتنيح والملقب بنسر البرية) ، وخضع للاختبارات على يد الأنبا ثاؤفيلوس رئيس الدير الراحل.

عرف بأنه باحث بدرجة أمتياز وكاتب متميز ومُحب للفنون القبطية والعمارة وأيضا للتراث والحضارة وحازت على اهتماماته وأثمرت الكثير من النتائج الرائدة لتعريف الجميع بوجود أديرة منُدثرة ومنها القديس يوحنا القصير والأرمن والأحباش وغيرها.

سّيم راهبًا فى عام 1990 بدير السريان، ورغم صغر سنة – آنذاك – تولى مسؤولية”ربيته الدير” أي أمين للدير لمدة (سنتين ونصف)، وهو أمر غاية الحساسية يحتاج إلى حكمة الشيوخ، وأستطاع ان يؤدي مهامه بمحبة ووصف تلك الحقبة بإنها غاية الحساسية نظرًا للتعامل مع شيوخ الدير التى يقدرهم ويحب الاستماع إليهم.

نال من المعرفة الكثيرة على يد الراحل ’’ نسر البرية‘‘ والذى كان أب اعترافه.

وفي عام 1998 دعاه البابا شنودة أن يصلي الميلاد والغطاس في هولندا، ونظرًا لودعاته وأبوته تمسك الشعب هناك بأهمية أستمراه ورغم رفضه إلا أن البطريرك طالبه بالإستمرار فى الخدمة من أجل الشعب حتى أواخر عام 99، إلى حين تكليفه بمساعدة الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر أنذاك لمدة تقارب العام.

وداعته وتعليمه وخدمته كانت حافزًا لدعوته أسقفًا للخدمة فى قطاع واسعًا بالقاهرة لجوار البابا شنودة الثالث حينها، فى عيد العنصرة يونيو 2001 رسم أسقفًا عامًا لكنائس شرق السكة الحديد، ووقتها قال البابا الراحل’’الأخوة اللي بتصقف الراهب اللي هيترسم دة بتاعكم، كان عندى أساقفة عموميين بمناطق مختلفة بالقاهرة بدأوا يسحبوا واحد واحد وقولت أرسم واحد يكون معايا وسيرسم الراهب مارتيروس أسقفا عامًا شرق السكة الحديد‘‘

وبدأ الخدمة فى منطقة لم تتجاوز كنائسها تسعة لتتنامي عدديًا من خدمات روحية وعامة لجموع ابناء المنطقة ليشمل الأسقف الكل بمحبته؛ وتوالي عددا من المهام داخل المجمع المقدس ولعل أبرزها ومازالت رئاسة لجنة المصنفات الكنسية والتى تشرف على الأعمال الفنية بما يطابق الكتاب المقدس والطقس الكنسي وغيرها، فضلا عن اهتمامه البالغ بالتراث والأثار.

مارتيروس أسمًا تفسيره باللغة القبطية «شهيد»، فكان الأسقف أهل للاسم والصفة والمهام، أنجز من المعمار ما يزيد عن 20 كنيسة فضلا عن المنشآت الخدمية والطبية العامة ودور الأيتام ورعاية المسنين.

كما أستحدث خدمات عديدة وفريدة تعد الأولى من نوعها بالكنيسة منها خدمة العذارى “المتأخرات عن الزواج”، ومركز “بي لمباس” للتراث القبطي بكنيسة العذراء مريم بمهمشة، فضلا عن دوره فى رعاية الأيتام والآرامل وغيرها الكثير – سائرًا على دُرب الأرشيدياكون حبيب جرجس الذى أسس كنيسة مهمشة ومنظومة التربية الكنسية فى الكرازة المرقسية.

فى يونيو الحالي تحتفل الإيبارشية بـ 18 عامًا لتولي أسقفهم المحبوب الرعاية من بين ثلاثون عامًا راهبًا فى الكنيسة، شارك في مؤتمرات الدولية، ومنها مؤتمر السلام الدولي الذي رفع علم مصر ردا على مهاجمي ثورة يونيو، عرف بإنه رجل يُقدر الواجب، ويؤمن برحمة الضعفاء، يحفظ التاريخ المصرى قبل الكنسي، يفتح أياديه للشباب، يؤمن بأن عظمة الإنسان تبدأ من خدماته للناس.

شعاره الدائم أية الكتابة المقدس فى إنجيل لوقا’’كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ، لأَنَّنَا إِنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا‘‘ يشغله دومًا البسطاء ويحرص على تمتعهم بالمصايف والترفية وخدمات شاملة ومنظومة متكاملة بهدف رعاية ابنائه.

استطاع أن يعرف الكثيرين بتاريخ الأرشيدياكون حبيب جرجس، وبعد 63 سنة من وفاة الأرشيدياكون واعتراف المجمع به كقديس انتدب البابا تواضروس الثاني، نيافة الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا للأقباط الأرثوذكس، كنائبا بابويا عنه بالاشتراك مع نيافة الأنبا مارتيروس، وذلك في إجراءات ومراسم نقل جسد القديس حبيب جرجس من مدافن أسرة القديس بالجبل الأحمر بالقاهرة ، إلى مزار مجهز بكنيسة السيدة العذراء بمهمشة؛ واعّد الأنبا مارتيروس متحف لمقتنيات القديس.

على مدار سنوات أعرف أسقف شرق السكة الحديد شخصيًا لم أسمع يومًا إغلاق بابه فى وجه أحد، يجاهد للحفاظ على فضائل الرهبنة أولوية حياتية للشهيد الذى يخدم شعب شرق السكة الحديد، وكل عيد رسامة ومزيد فى كرم الخدمة والرعاية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار