الاشتراكى المصرى يناقش قانون العمل الجديد
وسط حشد من القادة العماليين والنقابيين، ومفكرين وسياسيين، ومهتمين بالشأن العام، استضاف “الحزب الاشتراكي المصرى” لقاءً متميزاً، ُطرحت فيه ملامح “قانون العمل” الجديد، علي أرضية النقاش المجتمعي الموضوعي، الذى دار بهدف استجلاء تفاصيله، ودراسة مدى ملاءمته لمصالح العمال والعاملين، الذين تصاعدت معاناتهم، في الفترة الأخيرة بشدّة، ويناضلون من أجل قانون عادل ومنصف، يحميهم من نهش الذئاب الرأسمالية المتنمرة لحقوقهم، والإصرار علي اغتصاب آخر ماتبقي لهم من ركائز اقتصادية واجتماعية. تُبقيهم علي قيد الحياة.
وقد شَرُف اللقاء بمشاركة كوكبة من المناضلين العماليين، والمثقفين والسياسيين الوطنيين، في مقدمتهم الأستاذ الدكتور أحمد البرعي، وزير القوى العاملة والهجرة الأسبق، والخبير في قضايا العمال وتنظيماهم ومشكلاتهم، كما شرَّف اللقاء الأستاذ أحمد طنطاوى النائب الوطني بالبرلمان، وقدم ورشة العمل المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، وأدارها الأستاذ محمد عبد السلام، القيادى بالحزب الاشتراكي المصرى، الذى لفت الأنظار إلي صعوبة توفير نص القانون للمعنيين من النقابيين والقادة العماليين، حيث تعمدت الجهات المسئولة منع الحصول علي القانون لمناقشته وإبداء الرأى في بنوده، وإدارة حوار مجتمعي حوله. وأشار إلي بعض مشكلات العمل التي كان يتوجب علي القانون مواجهتها، ومنها مشكلة إصرار العديد من الشركات علي أن تقدم العامل مع مسوغات التعيين والعقد استقالة مرفقة تتيح لها التخلص من العمالة متى شاءت، وبعد أن كان القانون يُتيح للعامل التراجع عن استقالته خلال أسبوع، أصبح النص الجديد يشترط اعتماد الاستقالة من مكاتب العمل، مع ما يسببه هذا الوضع من مشكلات.
بدأ اللقاء بمداخلة الدكتور البرعي، الذى استعرض أهم بنود “قانون العمل الجديد”، مؤكداً أن هذا القانون، برغم كل المآخذ عليه، والنواقص التى تعتريه، يتضمن، ولأول مرة منذ صدر قانون إنشاء “اتحاد عُمّال مصر”، عام 1957، النص علي الاعتراف بالنقابات المُستقلة، ورغم أنها خطوة غير كافية، بسبب القيود التى تعوق توسيع مدى هذا المكسب، إلا أنها خطوة مهمة، ينبغى البناء عليها.
وأشار الدكتور البرعي إلي أنه ينبغي التركيز، عند مُناقشة القانون الجديد، لا علي مسألة “العقود الفردية”، وإنما علي أحكام علاقة العمل الجماعى، لأنها الأهم والأشد تأثيراً، ضارباً المثل بواقعة شركة “ميشلان” لإطارات السيارات في جنوب فرنسا، التي دفعت ظروف التراجع والكساد أعوام (97، 98، 9991) إدارتها إلي تخفيض الإنتاج، والإعلان عن نيتها تسريح 25% من عُمّال الشركة، لكن العمال المنظمون في نقابات حيّة ومناضلة، أداروا حواراً مع مسؤلى الشركة، استبدلوا فيه قرار الاستغناء عن رُبع العمالة، بتخفيض 25% من أجورهم، مع الإبقاء علي الزملاء الذين كانوا علي لائحة الطرد، علي ألا يتم الاستغناء عن أى عامل لمدة أربعة أعوام، حتي تعبر الشركة الأزمة.
وأوضح الدكتور البرعي أننا لا نستطيع الحديث عن “مفاوضة جماعية” علي هذا النحو، مالم تكن هناك حرية نقابية مكفولة، وحركة عمالية قوية، وذات خبرة. وشرح مخاطر انتهاك الحقوق العمالية وتجاوز العهود والمواثيق الدولية بشأن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للعمال والعاملين، والآثار السلبية المترتبة علي هذه المواقف، ونتائجه مثلاً علي مناخ الاستثمار، ضارباً المثل بسحب شركتى “والت ديزني” و”آمازون” لاستثماراتهما بسبب هذا الأمر، مُبيناً مخاطر وضع مصر علي القائمة “القصيرة” أو “السوداء” نتيجةً لذلك.
وشرح الدكتور البرعي الموقف من الاتفاقيات الدولية التي توقع عليها مصر وغيرها من البلاد، إذ ينظر إليها نظرة القوانين الداخلية، وما توقع أية دوله عليه من اتفاقيات يظل ملزم لها، وله حُجية، حتى لو تنصلت البلد منه، أو رفضت التفاعل معه.
ـ وقد شارك في الحوار الأساتذة حسن بدوى االقيادى بالحزب الشيوعي المصرى، الذى شرح الظروف المتردية تنظيمياً للعمال والعاملين بأجر وغيرهم من العاملين والمهنيين، وأبان الحاجة إلي النضال لتعديل مشتملات القانون حتي تكفل ثلاثة أمور رئيسية:
الأول: محور الأمان الوظيفي، والحماية من التعسف في إنهاء الخدمة والفصل، بلا مبرر حقيقى، من العمل. والثاني: محور الأجور التى ينبغى أن تؤمن للعامل الحد الأدني المتوافق مع الأسعار وتكاليف المعيشة والتضخم، والثالث: حريات وحقوق التعبير والعمل النقابي، وضمانات الدفاع عن حقوق العمال وآلياتها المناسبة.
ـ وقدّم الأستاذ شعبان خليفة، أمين عمال حزب المحافظين، والرئيس السابق لنقابة العاملين في القطاع الخاص، شرحاً للتراجع الذى شهدته مواد القانون الجديد، وتجاهل لجان الاستماع لكل ما قُدم لها من اقتراحات، وضرب مثلاً بذلك ما تضمنته المادة (127) في القانون الحالي، من تعويض للعامل في حالة فصله تعسفياً، بشهر واحد، بينما كان في القانون السابق، الصادر عام 2003، شهرين علي أساس الأجر الشامل.
وحذر من مغبة إساءة استخدام “العقود المؤقتة” التي تستمر لسنوات طويلة، ونبّه إلي أن المادة (14) من القانون تعصف بمبدأ المفاوضة الجماعية، وتفتح الباب علي مصراعيه لـ “مقاولي الأنفار”.
ـ وقدم الأستاذ محمد عبد القادر، مؤسس نقابة العمالة غير المنتظمة، استعراضاً للأوضاع المتردية لهذه العمالة، التى تمثل نسبة كبيرة من إجمالي العمالة في مصر، والتى يُقدرها بـ 80% من إجمالي عدد العمال والعاملين في المجتمع. ، موضحا ما يتعرضون له من مصاعب، وخاصة فيما يخص اشتغالهم بدون عقود عمل مؤمنة ومضمونة، ومطالبا بإسباغ الحماية القانونية والاجتماعية لهذه الفئة الضخمة من العمال والعاملين.
وتناولت الدكتوره سلوى العنترى، العضو القيادي بالحزب الاشتراكي المصرى، والخبيرة الاقتصادية المرموقة، الشق الخاص بوضع المرأة في العمالة غير المنتظمة، وفي القلب منها العاملات الزراعيات، واللواتي تم استثنائهن، في القانون القديم، وكأنهن غير مواطنات، وفاقدات للأهلية والحقوق. وتساءلت: إن للمرأة وضع خاص، وهناك تمييز ضدها،فهل أزال القانون هذا التمييز؟. منوهة إلي فئة أخرى من السيدات العاملات أعمالاً غير منتظمة، هي فئة العاملات في المنازل، وهي تمثل قسماً كبيراً من العمالة غير المنتظمة ينبغى الدفاع عنها.
وأثار القيادى العمالي، الأستاذ خالد رمضان مخاطر تعطيل “اللجان العمالية الخُماسية”، والذى ترتب عليها استمرار القضايا لسنوات عديدة، كما ألقى الضوء علي اشتراط قانون التأمين الاجتماعي الجديد مجموعة شروط مجحفة للحصول علي معاش، منها ألا تقل مدة الخدمة عن 25 عاماً، مما يمثل انتقاصاً من حقوق العمال ومكتسباتهم.
ومن أمانة عمال حزب المحافظين، تحدث الأستاذ عادل عبد الله، منوهاً بأن الشعب المصرى يتعرض للتنكيل، عقاباً له علي المشاركة في ثورة طالب فيها بالعيش والحرية. مُدللاً علي ذلك بنوعية القوانين التى تصدر هذه الأيام وفيها افتئات علي الحقوق والحريات، ومطالباً أعضا البرلمان باحترام الدستور وما تضمنه.
وأشار الأستاذ عمرو جاد الرب، من النقابة المستقلة لعمال النقل والمواصلات، إلي أن العمالة غير المنتظمة تمثل القسم الأكبر من العمال، متسائلاً: إذا لم يشملهم القانون، فعن من سيدافع هذا القانون؟ منوهاً بأهمية وضع ضوابط تكفل التطبيق الصحيح للقانون، لأن “كيفية وآلية تطبيق القانون أهم من نصوص القانون نفسها”.
وأوضح الدكتور أحمد الأهواني، القيادى بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي أن أخطر ما يتعرض له العمال الآن هو تدهور قيمة الأجر، فالقمع الحقيقي هو لهيب الأسعار وتدهور الخدمات كالصحة وغيرها. ومطالباً بتنشيط العمل النقابي العمالي علي المستوى القومى لا النخبوى، وحفز العمال علي الانضواء تحت رايات العمل النقابي الجماعي للدفاع عن حقوقهم، مشيراً إلي تغير منظومة القيم الأخلاقية للمجتمع بفعل المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، وشيوع ثقافة الإفقار والتجويع.
وطرح الأستاذ جمال عويس، العامل بالقومية للأسمنت ومصر حلوان للغزل والنسيج، والقيادى بحزب التجمع ـ حلوان، أهمية تحلي القيادات العمالية بالوعي السياسى الناضج والصلابة، علي نحو ما كان يمتلكه القيادى العمالي الراحل، مصطفي عبد الغفار، رئيس اللجنة النقابية بالمصنع، ومن الضرورى انضواء العمال تحت رايات حزبية مناضلة لكفالة الدفاع الفعّال عن حقوقهم، علي نحو ما كان يحدث فى السابق، فحين كان الأمر علي هذا النحو، لم يكن من السهل علي الطبقة الرأسمالية بيع منشآت البلد، أو انتهاك حقوق العمال. وأشار إلي أن أعضاء مجلس النواب القائم، باستثناء قلّة محدودة مُحاصَرة وتشن عليها حرب نفسية مستمرة، غير معنيين بحقوق العمال، أو الحفاظ علي مصانع ومؤسسات ومصالح الناس.
وتناولت الأستاذة سعاد عبد الحميد الحُجة التى يقدمها الرأسماليون من رجال الأعمال، بوجوب تجاهل حقوق العمال، لأن الالتزام بها يدفع إلي “تطفيش” المستثمرين، مبينة فساد هذه الحُجة لأن القانون إذا تجاهل حقوق العمال فعليه العوض، وفي البلاد التى يأتي منها المستثمرون، لا يجرؤون علي انتهاك هذه حقوق عمالهم!
وأشارت الدكتورة كريمة الحفناوى القيادية بالحزب الاشتراكي المصرى إلي مقولة الدكتور أحمد البرعي: إذا لم تكن هناك نقابة قوية للدفاع عن حقوق العمال فلا أمل في حماية حقوقهم، ومن هنا يصبح من الواجب تأسيس “حملة” للدفاع عن حقوق العمال. وأضافت: يجب أن يكون القانون شاملاً، وعلينا رفض أى قانون جزئي يتجاهل وجود قطاعات هامة من المرأة العاملة، كالعاملات الزراعيات وغيرهن، مُشيرةإلي ضرورة النضال من أجل توقيع مصر علي اتفاقية رقم (190) الخاصة بمواجهة “التحرش في عالم العمل”، واعتبار ذلك جزءًا من توصيات هذه الورشة، والدفع بأن يتضمن القانون ما ينص علي ضرورة أن تحتوى أى منشأة تضم 50 سيدة داراً لحضانة الأطفال.
ووجه الأستاذ محمد نور الدين، الباحث والخبير الاقتصادى، الأنظار إلي الهجمة الرجعية الشرسة، التى تتعرض لها حقوق العمال في العالم أجمع، بالاستناد إلي قوة رجال الأعمال من ناحية، وإلي تبعثر قوى العاملين، ووجود وفرة في الأيدى العاملة من ناحية أخرى، طارحاً ضرورة الاستفادة من تجارب وخبرات الدول الأخرى في هذه المسألة، كفرنسا وانجلترا وغيرهما. كما أثار قضية أخرى علي درجة بالغة من الأهمية، متسائلاً: وما هو الحل في ظل تفكيك المؤسسات الصناعية الضخمة، علي نحو ما كان في القرن الماضى، وبعثرة العمال في أماكن عمل محدودة ومُتناثرة، وكيف تعمل النقابات في مثل هذه الظروف؟، أم أن هناك وسائل أخرى؟
أما المهندسة عزة، المناضلة النقابية، فأشارت إلي أن القوانين الصادرة تُعبر عن الخوف من الطبقة العاملة، وتستهدف تصفيتها، وهذا القانون يصدر مواكباً للاستعداد لبيع آخر ماتبقّى من القلاع الصناعية الاستراتيجية في البلاد: مُجمّع الحديد والصُلب، والشركة القومية للأسمنت، وشركة غزل المحلة، والمطلوب أن يتحول الجميع إلي أُجراء لدى الرأسمالية. وأضافت إننا الآن نواجه “ديكتاتورية الشركات”، بعد أن كنا نواجه “ديكتاتورية النظم”، وقد أحلّوا محل الأنظمة المُستبدّة شركات مستبدّة، أما الحكومات فقد أصبح دورها التحصيل لصالح الشركات.
وأشار المهندس والخبير النقابى محمد أبو كريش إلي (1): أهمية العمل علي محور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعاملين، و(2): المُطالبة بأن يتضمن القانون شرطاً أو عقوبة مناسِبة لكل من يتنصل من الالتزام بتطبيق النصوص التى يُقررها القانون، أو يتحايل علي مضمونها.
وفي نهاية ورشة العمل اقتُرح، بلورة كل الاقتراحات والتوصيات التي قُدمت في هذه الورشة، لإبلاغها إلي أعضاء البرلمان حتى يتم تقديمها إلي هيئات صياغة القانون بالمجلس، وكذلك تنظيم ورشة أخرى، أو ندوة، حول “الاتفاقيات الدولية والقانون المصرى الداخلي”.