جونسون و”كسب بوتن للحرب”.. زلة لسان أم بداية مراجعة غربية؟
.
في تصريحات مثيرة للجدل عدها مراقبون معاكسة للمواقف الأطلسية والغربية من الصراع في أوكرانيا، أو مقدمة لتحول كبير فيها، لم يستبعد رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، الجمعة، أن يطول أمد الحرب في أوكرانيا، ملمحا إلى احتمال ألا تنتهي هذه الحرب قبل نهاية عام 2023، أي بعد أكثر من عام ونصف من الآن.
وقال جونسون للصحفيين في العاصمة الهندية نيودلهي، حيث كان في زيارة لها: “المحزن هو أن احتمال فوز (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتن في هذه الحرب بات أمرا واقعا بالطبع”.
وقد أثار تصريح جونسون حفيظة كييف، حيث قال رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميهال، تعليقا على تصريحات نظيره البريطاني، إن بلاده ستحقق النصر في القريب العاجل.
ويرى مراقبون أن تصريحات جونسون، الذين يعترونه من الصقور المتشددين حيال موسكو في الكتلة الأطلسية والغربية، قد تكون بداية لمراجعة تلك الكتلة لسياساتها من الأزمة الأوكرانية، في ظل تداعياتها الجسيمة التي تضرب العالم بأسره.
وأشاروا إلى أنها أشبه بناقوس خطر كذلك، حيث يكاد يكون من المستحيل أن يتحمل العالم استمرار هذه الحرب لأكثر من سنة و8 أشهر كما يتوقع رئيس وزراء بريطانيا، والتي في غضون أسابيع قليلة فقط من اندلاعها، أدخلت العالم في سلسلة أزمات اقتصادية وغذائية وطاقية لا تعد ولا تحصى، ناهيك عن تبعاتها على الأمن والسلم الدوليين.
وتعليقا على تصريحات جونسون، التي عدها مراقبون تحولا دراماتيكيا في الموقف الغربي من الوضع الأوكراني، يقول مسعود معلوف، الدبلوماسي السابق والخبير في الشؤون الأميركية، في حوار مع سكاي نيوز عربية: “يبدو تصريح جونسون هذا مرتجلا وهو أقرب ربما لزلة لسان منه من موقف مدروس”.
وأضاف: “عموما جونسون معروف بشطحاته الكلامية ومواقفه المتناقضة، كما هو الحال مع قضية انتهاكه لقيود التباعد الاجتماعي الخاصة بجائحة كورونا في البلاد، والتي كان قد اعتمدها هو بنفسه. فهذه التصريحات تتنافى جملة وتفصيلا حتى مع كلامه طيلة الفترة الماضية منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، حيث كان يجزم أن النصر لأوكرانيا، وهو بموقفه الجديد هذا يحدث شرخا في الموقف الأطلسي ووحدة صفه حيال الأزمة الأوكرانية”.
وعما سيترتب على هذا الموقف البريطاني، يقول معلوف: “ميدانيا ليس بالضرورة أن يؤثر هذا الكلام على الأرض، لكنه سيؤثر ولا شك نفسيا على معنويات الأوكرانيين وهم يواجهون روسيا، حيث هو لا يكتفي القول إن الحرب ستطول لسنة ونيف بل ويضيف والأرجح أن موسكو ستكسبها، رغم أنه من الصعب أن تتحمل روسيا كلفة استمرار الحرب لنهاية العام 2023”.
لكن ماذا عن موقف واشنطن؟ يرد الدبلوماسي السابق: “غالبا لن يصدر تعليق من واشنطن حول موقف جونسون المثير للالتباس رغم انزعاجها منه، لكنها لن تبوح بذلك علانية، حيث إن الولايات المتحدة حريصة على وحدة الصف الأطلسي في وجه روسيا وعلى عدم إبداء أي مواقف وردود أفعال قد تظهر وجود انشقاقات وشروخ في الجبهة الأطلسية والغربية المناوئة للروس”.
بدوره، يقول ماهر الحمداني، الباحث والخبير في الشؤون الأوروبية، في حديث مع سكاي نيوز عربية: “تصريحات جونسون هذه التي توقع فيها النصر لبوتن في الحرب وبأنها ستطول، هي رسالة بالدرجة الأولى لكييف وللرئيس الأوكراني زيلينسكي تحديدا، ومفادها أن عليه توقع هذه النتيجة والاستعداد لها، وأن الغرب قد يرضخ لهذا الاحتمال في حال صمود روسيا لعام آخر في وجه الضغوط الغربية، وأن الغرب قد لا يستطيع تحمل كلفة هذه الحرب الكارثية، لا سيما الاقتصادية منها لغاية نهاية العام القادم، ولهذا على زيلينسكي الجنوح نحو الخيار التفاوضي والقبول بالحلول الوسط”.
ويضيف الخبير بالشؤون الأوروبية: “هو تصريح منسجم مع تصريح آخر لافت للرئيس الأميركي، جو بايدن قبل يومين تقريبا، قال فيه إن روسيا لن تكسب الحرب في أوكرانيا، ولن تستطيع السيطرة عليها كاملة، وهو ما فسر تناغما مضمرا مع التوجه الروسي نحو فصل الشرق الأوكراني، بمعنى أن الغرب لن يسمح بالسيطرة الروسية على كامل الأراضي الأوكرانية، لكنه قد يقبل بسيطرة موسكو على بعضها”.”
وتابع: “وهذا ما يقوم به بالضبط الروس الآن عبر رسم خريطة جديدة من خلال فرض السيطرة على جنوب شرق أوكرانيا، وربط إقليم دونباس بريا مع شبه جزيرة القرم عبر مدينة ماريوبول، وهذا ما يريده الروس منذ البداية، فهم غير معنيين بالسيطرة على العاصمة كييف وبقية المناطق الأوكرانية، وحدود ضمان أمنهم القومي ترسمه هذه الخريطة التي يهندسونها الآن، والتي ربما بدأ الغرب بتقبلها كأمر واقع، وعلى زيلينسكي التصرف وفق هذه المعطيات الجديدة”.
“ربما نحن أمام ضوء في نهاية نفق هذه الحرب المدمرة”، كما يتوقع الحمداني، ويضيف أن “انتهاءها (سيكون) على طاولة المفاوضات عبر إعادة ترسيم حدود جديدة في هذا الجزء من أوروبا ما بين دولتين جديدتين، أوكرانيا الغربية والقسم الشرقي منها، الذي قد يلتحق بروسيا أو يستقل تحت مسمى خاص به”.