حقيقة التحذيرات من الاندومى

الإندومي Indomie وجبة الشعيرية سريعة التحضير “instant noodles”، الغنية عن التعريف والتي تنتجها شركة إندوفود سوكسيس ماكمور الإندونيسية. يرمز الجزء الأول من اسمها “إندو” إلى إندونيسيا، أما الجزء الثاني “مي” فيعني الشعيرية أو النودلز بالإندونيسية.

سهولة وسرعة تحضير الأندومي، إضافة إلى سعرها المعقول جدا والذي يجعلها في متناول جميع فئات المجتمع هو ما جعلها تحتل مكانة كبيرة في الحياة اليومية للناس بالعالم، فالإندومي هي الشعيرية الأكثر مبيعا في العالم، إذ يغطي توزيعها أستراليا، آسيا، إفريقيا، الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوربية ودول الشرق الأوسط.

كثيرا ما نسمع أخبارا وإشاعات عن المخاطر الصحية لوجبة الأندومي، تشمل الإشاعات تحذيرات من أمراض خطيرة “سرطانات بأنواعها، تسمم مخ وغيرها من الأمراض…” طبعا أول ما قد يتبادر لذهن أي باحث في هذا الموضوع هو قراءة قائمة المواد المضافة للأندومي والتحقق ما إذا كانت تحوي موادا مضافة مثيرة للجدل، خصوصا أن أغلب الإشاعات تحدد مكمن الخطر بكيس النكهة.

أهم المواد المضافة للإندومي هو غلوتامات أحادية الصوديوم E621 MSG، والذي يستخدم في تعزيز النكهة وهو عبارة عن الملح الصودي للحمض الأميني “غلوتاميك”، والذي يدخل في بناء بروتينات الجسم، والذي يعتبر من أكثر الأحماض الأمينية انتشارا في الطبيعة، تصنف إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA غلوتامات أحادية الصوديوم كمضاف آمن للغذاء بشكل عام “GRAS Generally Recognized As Safe”.

في عام 2010 نشرت صحيفة The China Post الصينية ما يلي: “إن مكتب الصحة في تايبي، تايوان، أعلن أن أحد المواد الحافظة المستخدمة في مستحضرات التجميل يستخدم في وجبة الأندومي وبناء على ذلك طلب سحب المنتج من السوق”.

من ناحية أخرى أعلن المسؤولون الصحيون في سنغافورة (الدولة الجارة والأكثر تطورا من تايوان)، أن اختباراتهم لم تظهر أي أثر لهذه المادة، وأنه لا يوجد أي داعي لسحب المنتج من السوق. كما أن شركة أندومي رفضت النتائج التي أعلنتها السلطات التايوانية.

وأعلن المكتب الصحي التايواني أن مادة “الميثيل بارا هيدروكسي بنزوات E218″ تتواجد في كيس صلصة الصويا المرفق مع الوجبة، كما أعلنوا عن وجود آثار من حمض البنزويك في الشعيرية والمنكهات تتخطى الكمية المصرح بها وفق المعايير الصحية.”

رغم أن الـ E218 مصرح بها من قبل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة العالمية كمضاف “غذائي”، ويصنف أيضا ضمن القائمة الآمنة “GRAS”، إضافة إلى أنه يتواجد طبيعيا في عدد من الفواكه كالتوت البري، إلا أن السلطات التايوانية تصرح باستخدامها فقط كمادة حافظة لمستحضرات التجميل، وبناء عليه اتخذت قرارها بسحب المنتج.

ولكن بعد ذلك، عادت الأندومي للسوق التايوانية. أكثر الانتقادات التي توجه لهذه الوجبة العالمية من قبل خبراء التغذية هي أنها وجبة من الكربوهيدرات، فقيرة بالألياف والفيتامينات والمعادن، كما أنها لا تحوي على كامل العناصر الغذائية التي يحتاجها الصغار “بينما نجد للأسف أنهم يعتمدون عليها لوحدها بشكل كبير في غذائهم اليومي”.

يمكن تعديل هذه الوجبة بإضافة الخضار لها “كالجزر والبسلة والبصل وغيرها” لجعلها اكثر غنى بالألياف والفيتامينات والمعادن، وبالتالي جعلها أكثر توازنا.

كما يمكن إضافة اللحم الطازج أو السمك لرفع المحتوى البروتيني للوجبة.  في النهاية… إندومي تستهلك منذ سنين في العديد من البلدان بالعالم، وخلال هذه السنين، لم يتم منع هذا المنتج سوى في تايوان ولفترة مؤقتة، وقد يكون ذلك نتيجة الحروب التنافسية بين الشركات، حاول قدر الإمكان أن تضيف الخضار كمصدر للألياف والفيتامينات واللحوم كمصدر للبروتين إلى وجبة النودلز لتجعلها أكثر توازنا.

واذا نظرنا للامر من وجهة نظر اخرى ، خاصة ما ينتشر مؤخرا فى شكل نصائح (الصحية) يطلقها البعض في المغزى الذي يرمي لتصنيف “الأندومي” على قائمة الأغذية الضارة جدًا؛ لأنَّه (كما تقول) يحتوي على سموم كامنة، ويسبب السرطان، ويؤثر على الدماغ، ويسبب مشاكل في القلب (تنتهي بالموت المُفاجئ)، وغيرها من عناوين كبيرة وفرضيات اجتهادية (أصبحت تصول وتجول بين أروقة الشبكات الاجتماعية).

إلا أنّه وبعد قراءة الكثير من التقارير الطبية في الجانب الغذائي (من مصادرها الأصلية المعتمدة)، وبعد التحقق من كل المكونات المُسَجَّلَة على بيانات أكياس “الأندومي” المُنْتَجَة من شركات متعددة، وفي دول مختلفة، تَبَيَّنَ باختصار أنَّ “الأندومي” (الذي لم أجُرِّبه قط في حياتي، ولا أرغب في تجريبه مُطلقًا) لا يعدو كونه إلا وجبة مُعَلَّبَة سريعة عابرة، لا تختلف البتة عن سائر الأغذية السريعة العابرة، ولا توجد دلائل حقيقية على ما تم الإشارة له أعلاه من عناوين مرضية مُخيفة ينفرد بها “الأندومي” دون غيره (كما تدعي بعض المنشورات المتكررة التي أصبحت مُملة)؛ لا لأنَّ “الأندومي” مفيد (فضرره كضرر أي غذاء محفوظ على الطريقة نفسها)؛ بل لأنَّ تلك الأسطوانات المُتكررة لا تستند لمصداق علمي يُعتمد عليه.

هذا الكلام لا يعني أيضًا: التشجيع على أكل “الأندومي”، بل يعني أنَّنا يجب أنَّ نمسك العصاة من الوسط عند تقييمنا لأي منتج غذائي، فلا يجوز أنْ نذهب لأقصى اليمين ولا يجوز- أيضًا- أنْ نذهب لأقصى اليسار، دون بَيِّنَة أو بُرْهَان، حتى لا نفقد موقعيتنا في تقييم المنتجات بطريقة منطقية، وحتى لا نُضَيِّع الصواب في أضرارها الواقعية التي تختبئ بين مفاصلها! فبدلًا من كسب القضية (أمام المُتعطشين لمِعرفة حقيقتها) نخسرها بسبب مُبالغتنا وتضخيمنا لعناوينها!

فلو أكتفينا بِتَصْنِيفِه كَـ: “غذاء غير مفيد، ولا يجوز التعويل عليه؛ لأنَّ ذلك قد يؤدي لأضرار صحية، بسب حرمان الجسم مما هو مهم ويحمل فائدة، وبسبب احتوائه على مواد مُضافة ومواد حافظة كبقية الأغذية المُعَبَّئة التجارية” لكانت الصياغة المُقَدَّمَة مقبولة (لأنَّها تُلامس الواقع وتنطبق- فعلًا- عليه).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار