الاحتجاجات النسائية.. ساحة معركة سياسية جديدة في تركيا
سلطت صحيفة ”أحوال“ التركية المعارضة، الضوء على كيل الحكومة التركية بمكيالين في تعاملها مع التظاهرات، وكيف أصبحت الاحتجاجات النسائية ساحة المعركة السياسية الجديدة في تركيا.
كان ”محمد مصطفى“ (17 عامًا) ولدًا بريئًا ونظيفًا وصعب الإرضاء، عندما اختفى من منزل أسرته في مدينة ”ديار بكر“ ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرق تركيا، والآن تقف والدته في الاحتجاجات وتطالب بعودة ابنها.
وهذا هو الشيء الوحيد الذي طالبت به هي وعشرات النساء اللائي يُعرفن الآن باسم ”أمهات ديار بكر“ على مدار أسابيع من الاحتجاجات خارج مكاتب حزب الشعب الديمقراطي المعارض في المدينة.
ووفقًا للصحيفة، تقول ”أمهات ديار بكر“ إن أطفالهن قد اختطفوا ليتم تجنيدهم في الكفاح الكردي من أجل الحكم الذاتي الكردي بعد أن أعدهم مسلحون من حزب العمال الكردستاني (PKK)، ويردن من حزب الشعب الديمقراطي التواصل مع المجموعة المحظورة لإعادة أبنائهن إلى ديارهم.
ومن جانبهم، نفى مسؤولو حزب الشعب الديمقراطي تورط حزبهم في عمليات الاختطاف، ولكن الأمهات واصلن احتجاجاتهن خارج مكتب الحزب، مما لفت الانتباه في تركيا، وفتح الباب أمام احتجاجات ومظاهرات مماثلة، اكتسبت تأييد الحكومة، بينما يتم فض الاعتصامات المنافسة من قبل الشرطة.
وكان وجود ”أمهات ديار بكر“ في مدينة فاز بها حزب الشعب الديمقراطي في الانتخابات المحلية لهذا العام بمثابة مكسب لحزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي صوّر الحزب الكردي لسنوات بأنه امتداد لحزب العمال الكردستاني، والذي صنفته تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية.
زار وزير الداخلية التركي ”سليمان سويلو“ أمهات ديار بكر، الأسبوع الماضي؛ للتعهد بدعمه لقضيتهن، وقبل أقل من شهر من زيارته، كان قد أقال عمدة المدينة المنتخب من حزب الشعوب الديمقراطي ”عدنان سلجوق مزركلي“، متهمًا إياه بالعمل لصالح حزب العمال الكردستاني.
كما تم إقالة رئيسي بلدية مدينة ”فان“ و“ماردين“ في نفس اليوم، وهما مرشحان من قبل حزب الشعب الديمقراطي.
تعرض أعضاء الحزب الديمقراطي المعارض للمقاضاة منذ انهيار عملية السلام في عام 2015، لعدة أسباب، بما في ذلك حضورهم جنازات الشباب الذين قاتلوا من أجل حزب العمال الكردستاني، والآن يواجه الحزب حركة احتجاج من نساء يحملنه مسؤولية اختفاء أبنائهن.
وظلت الاحتجاجات متصدرة عناوين الصحف لمدة، إذ تنشر الصحف قصصًا إخبارية يومية وتتلقى الاحتجاجات زيارات من المشاهير، ولكن المعارضة ردت باحتجاجاتها الخاصة، لتوضح أن دعم الحكومة لاحتجاج أمهات ديار بكر كان انتقائيًا.
ففي العام الماضي، لم تتلق احتجاجات ”أمهات يوم السبت“، وهن ناشطات سلميات ينظمن اعتصامات منتظمة منذ الثمانينيات للمطالبة بمعرفة ما حدث للذين اختفوا أثناء احتجازهم لدى الشرطة، نفس الدعم من الحكومة، بل تم اعتقال أكثر من 20 شخصًا خلال أحد اعتصامات المجموعة في وسط إسطنبول في أغسطس من العام الماضي.
وأشار وزير الداخلية التركي إلى أن ”أمهات يوم السبت“ لديهن صلات بمنظمات إرهابية واتهمهن ”بالاستغلال والخداع“.
وقال: ”ما يحاولن القيام به واضح، إنهن يستخدمن مفهوم الأمومة لتصوير أنفسهن كضحايا واستقطاب المجتمع“.
كما اتبعت الشرطة التركية نهجًا مشابهًا من عدم التسامح مع الأمهات اللائي احتشدن هذا الصيف للاحتجاج على معاملة أطفالهن الذين كانوا يدرسون في مدارس الطلاب العسكريين في وقت محاولة الانقلاب الفاشلة ضد حكومة حزب العدالة والتنمية، في يوليو/ تموز عام 2016.
إذ واجه الطلاب العسكريون في الأكاديميات التي تورطت في محاولة الانقلاب، الطرد، وفي بعض الحالات، السجن لفترات طويلة، رغم أن أسرهم تقول إنهم لم يشاركوا في الانقلاب.
وعندما حاولت مجموعة من أمهات الطلاب تنظيم اعتصام أمام المقر الإقليمي لحزب العدالة والتنمية في إسطنبول، يوم الإثنين الماضي، تدخلت الشرطة ونقلت الأمهات بعيدًا عن المبنى بعد التحقق من بطاقات هوياتهن.
وأخبرت إحدى الأمهات صحيفة ”إيفرينسيل“ اليسارية: ”نريد فقط الدفاع عن حق أطفالنا في التعليم، ولا شيء غير ذلك. هذا بلدنا وهذا علمنا، وليس لدينا مكان آخر نذهب إليه. وعندما تتلقى أمهات ديار بكر هذا القدر من الدعم، بعد أن تم طردنا عندما كنا أمام حزب العدالة والتنمية، يصعب استيعاب وتقبل ذلك، فنحن لم نذهب إلى هناك للاحتجاج، بل ذهبنا إلى هناك لتُسمع أصواتنا“.
وقالت ”فاطمة أوك“ والتي حكم على ابنها بالسجن مدى الحياة: ”تنظم الأمهات الاحتجاجات في ديار بكر، ويتظاهر العمال المفصولون أمام حزب الشعب الجمهوري، بينما نُمنع نحن من الجلوس أمام حزب العدالة والتنمية“.
وفي تلك الأثناء، حاولت مجموعة أخرى من الأمهات رفع لافتة كُتب عليها: ”الأمهات يرغبن في السلام“، أمام مقر قيادة حزب العدالة والتنمية في ديار بكر، يوم الثلاثاء، ولكن المظاهرة لم تدم سوى 30 دقيقة فقط قبل أن يتدخل ضباط الشرطة ويحتجزوا 3 منهن.
امتدت الاحتجاجات أمام مبنى حزب العدالة والتنمية إلى مقاطعة ”قيصري“ في الأناضول الوسطى، أمس الأربعاء. وتوجهت مجموعة من أقارب طلاب المدارس العسكرية المسجونين إلى المقر الرئيسي لمقاطعات حزب العدالة والتنمية وطالبوا بمقابلة مسؤولي الحزب، لكن طلبهم قوبل بالرفض.
كما اعتقلت الشرطة، أمس الأربعاء، 4 أشخاص أرادوا تنظيم اعتصام أمام مقر حزب العدالة والتنمية في أنقرة للاحتجاج على تطهير الحكومة التركية للمعارضة منذ الانقلاب الفاشل في عام 2016.
وحاول ”جمال يلدريم“، وهو رجل تركي أقيل من منصبه في القطاع العام بموجب مرسوم طارئ بعد محاولة الانقلاب، تنظيم اعتصام أمام مقر حزب العدالة والتنمية، يوم الإثنين، ولكن الشرطة احتجزته بعد دقيقة واحدة من بدء الاحتجاج.
وقال ”يلدريم“ في بداية احتجاجه، يوم الإثنين: ”أردت إيضاح شيء مهم في الوقت الذي ذهب فيه وزير الداخلية إلى مقر مقاطعة حزب الشعب الديمقراطي في ديار بكر، أنا أحتج في الشوارع منذ 3 سنوات، وحكومة حزب العدالة والتنمية التي انتهكت حقوقنا، تحاول الآن التظاهر بدعم الشعب، ولذلك أردت أن أفضح أمرهم“.
ومنذ ذلك الحين، تدخلت الشرطة بسرعة في كل مرة حاول فيها يلدريم ورفاقه بدء اعتصام، ويوم الأربعاء انضم إلى يلدريم ”إمين يانيك“ و“ميليك سيتينكايا“، والدتا طالبين بالمدرسة العسكرية صدر بحقهما أحكام بالسجن المؤبد بتهمة الانضمام إلى محاولة الانقلاب، كما تم فصل ”سانيم دينيز كورال“، رئيسة حزب شيوعي من وظيفتها بموجب مرسوم طارئ.
المصدر : وكلات