انفجار شعبي ودماء.. ماذا يجري في العراق؟
سقط عشرات القتلى العراقيين خلال الأيام القليلة الماضية في اشتباكات بين محتجين وقوات الأمن خلال مظاهرات فاجأت السلطات العراقية، هي أول احتجاجات كبرى يسقط فيها قتلى منذ أكثر من عام، فماذا يجري في العراق؟.
لماذا الاحتجاج؟
نفد صبر العراقيين، بعد عامين من هزيمة تنظيم ”داعش“، حيث يعيش قطاع كبير من السكان، الذين يقترب عددهم من 40 مليون نسمة في أوضاع متدهورة رغم ما يملكه العراق من ثروة نفطية.
وتحسن الوضع الأمني عما كان عليه منذ سنوات غير أن البنية التحتية، التي حاق بها الدمار لم تمتد إليها يد الإصلاح، كما أن الوظائف أصبحت نادرة، حيث يتهم الشباب من يرون أنها ”قيادات فاسدة“ صراحة بالمسؤولية عن ذلك، ويقولون إن هذه القيادات لا تمثلهم.
سوء الأوضاع
وبعد حروب متتابعة على مدى عشرات السنين مع دول مجاورة وعقوبات الأمم المتحدة وغزوين أمريكيين واحتلال أجنبي وحرب أهلية طائفية كانت هزيمة ”داعش“ في عام 2017، إيذانًا بأن العراق دخل مرحلة سلام وأصبح حرًا في تسيير تجارته لفترة متواصلة طويلة للمرة الأولى منذ سبعينيات القرن الماضي، كما أن إنتاج النفط ارتفع إلى مستويات قياسية.
غير أن البنية التحتية متهالكة، بل وتتدهور، ولم يبدأ البناء بعد في مدن دمرتها الحرب كما لا يزال لجماعات مسلحة سطوة في الشوارع، واستمر الفساد منذ عهد صدام حسين، بل وترسخ في ظل حكم الأحزاب الطائفية، الذي ظهر بعد سقوطه.
شرارة الاحتجاجات
لا يبدو أن الاحتجاجات تنسقها جماعة سياسية بعينها، وقد تزايدت الدعوات على وسائل التواصل الاجتماعي للاحتجاجات في أوائل هذا الأسبوع، وبدا أن الإقبال على المشاركة فيها كان مفاجأة لقوات الأمن.
السببان الرئيسيان للغضب الشعبي هما قصور خدمات الدولة ونقص الوظائف، وساهمت في هذا الغضب سلسلة من الخطوات الحكومية لا سيما تنزيل رتبة قائد عسكري يحظى بشعبية كبيرة من أوقات الحرب لأسباب لم تُشرح بشكل كاف، وكان البعض يحتج خلال المظاهرات على ما حدث لهذا القائد.
الاحتجاجات الجماهيرية
في شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي، وقعت احتجاجات كبرى تركزت أساسًا في مدينة البصرة الجنوبية، ولقي فيها قرابة 30 شخصًا حتفهم.
ومنذ ذلك الحين شهد العراق بعض المظاهرات المتفرقة، لكنها لم تكن بحجم الأحداث التي وقعت هذا الأسبوع، وكانت أول مظاهرات كبرى مناهضة لحكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي منذ توّلت السلطة في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
النطاق والمخاطر
التنبوء بنطاق التظاهرات يتوقف على الكيفية التي ستعالج بها الحكومة والأجهزة الأمنية الاحتجاجات، فسقوط مزيد من القتلى سيغذي مشاعر الغضب، فحتى الآن سقط أكثر من 80 قتيلًا، غير أن الرد القاسي قد يدفع المحتجين أيضًا للبقاء في بيوتهم.
ويعتقد كثيرون من العراقيين أن فصائل شبه عسكرية ذات نفوذ كبير وتتمتع بدعم إيران تقف وراء الرد العنيف على احتجاجات البصرة في العام الماضي، ومنذ ذلك الحين كانت المشاركة في الاحتجاجات محدودة.
وإذا شاركت جماعات عشائرية أو فصائل مسلحة فقد يتدهور الوضع، وقد تفجرت اشتباكات بالرصاص في مدن جنوبية هذا الأسبوع بين مسلحين مجهولين ورجال الشرطة.
هل ستلبي الحكومة مطالب المحتجين؟
وعدت الحكومة بتحسين فرص العمل للعراقيين، وهذا الأسبوع وعد عبدالمهدي بإتاحة وظائف للخريجين وأصدر تعليمات لوزارة النفط وهيئات حكومية أخرى لاشتراط أن يكون 50% من العاملين من العراقيين في التعاقدات التالية مع الشركات الأجنبية.
وكانت الحكومة السابقة قد قطعت وعودًا مماثلة بتحسين الرعاية الصحية والكهرباء والخدمات في العام الماضي.
هل الاضطرابات طائفية؟
لا يرجح أحد أن تكون الاحتجاجات طائفية، فقد سعى أغلب العراقيين لتحاشي الشعارات الطائفية بعد التجربة المريرة، التي تمثلت في ظهور تنظيم ”داعش“، وذلك رغم بقاء بعض التوترات الطائفية.
وتدور الاحتجاجات حول تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتحدث وقائعها أساسًا في بغداد والجنوب الذي يغلب عليه الشيعة لكن تتداخل فيها خطوط عرقية وطائفية، كما أن الغضب موجه لطبقة سياسية لا لطائفة بعينها.
ويتناقض ذلك مع الاحتجاجات التي وقعت في العامين 2012 و2013 واستغلها تنظيم ”داعش“ في كسب التأييد في صفوف السنة.
ما الذي تعنيه الاضطرابات للحكومة؟
ربما تجد الحكومة أن من الصعب السيطرة على هذه الاحتجاجات، إذ لا يشارك أي فصيل أو حزب سياسي فيها علنًا، ولا حتى المعارضة البرلمانية المتمثلة في كتلة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر التي سبق أن نظمت مظاهرات من قبل.
وإذا اتسع نطاق الاحتجاجات فليس من الواضح ما هي الخيارات التي تملكها الحكومة، ولم يُذكر شيء حتى الآن عن تعديلات وزارية أو استقالات، ومن المرجح أن ترغب الأحزاب التي اتفقت على الدفع برئيس الوزراء عبد المهدي، صاحب النفوذ الضعيف، إلى قمة السلطة وتسيطر عليه في إبقائه في موقعه.