ماذا يملك أكراد سوريا لمواجهة الجيش التركي؟
سيواجه المقاتلون الأكراد، الذين هزموا تنظيم ”داعش“ في مساحة كبيرة من سوريا بمساعدة أمريكية صعوبة في صد الجيش التركي وحلفائه من الفصائل السورية، الذين اندفعوا عبر الحدود يوم أمس الأربعاء في هجوم تهدد به أنقرة منذ فترة طويلة.
وتتعرض قوات سوريا الديمقراطية، التي تمثل وحدات حماية الشعب الكردية رأس الحربة فيها لهجوم تركي بعد أن انسحب حلفاؤها الأمريكيون من جزء من الحدود، وهي أقل عددًا وعدة بكثير من الجيش التركي ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي ”الناتو“.
ورغم أن الولايات المتحدة تولت تسليح قوات سوريا الديمقراطية وتدريبها خلال سنوات محاربة تنظيم ”داعش“ فقد أحجمت واشنطن عن تزويد حلفائها الأكراد بترسانة أكثر تطورًا بما يعكس احتياجات المعركة وكذلك المخاوف التركية.
وقال مصدر بوحدات حماية الشعب، اشترط عدم الكشف عن هويته، إن ”الوحدات ليس لديها أسلحة ثقيلة، يمكن أن تفيد في التصدي للطائرات أو الدبابات التركية“.
وأضاف المصدر، أن ”أثقل أسلحة حصلنا عليها من الولايات المتحدة بعض قذائف المورتر ولا شيء أثقل، لا صواريخ ولا أسلحة مضادة للدبابات“.
وأكدت سياسة واشنطن تجاه وحدات حماية الشعب التعقيدات الأشمل لدورها في الصراع السوري، الذي تطور من احتجاجات على حكم الرئيس بشار الأسد إلى حرب متعددة الأطراف انجرت إليها روسيا وتركيا وإيران.
ورغم أن قوات سوريا الديمقراطية أثبتت أنها حليف فعال في مواجهة ”داعش“ فقد أثار التأييد الأمريكي لها غضب تركيا، التي تعتبر وحدات حماية الشعب قوة إرهابية بسبب صلتها بحزب العمال الكردستاني، الذي يشن حركة تمرد داخل تركيا منذ فترة طويلة.
وقالت مصادر بالمعارضة السورية، إن بعض السوريين الذي يحظون بدعم تركي ويواجهون الآن قوات سوريا الديمقراطية استفادوا من دعم عسكري أمريكي في مرحلة سابقة من الحرب عندما أشرفت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على برنامج لتسليح المعارضة المناهضة للأسد وتدريبها.
وأنهى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العمل بهذا البرنامج في عام 2017 في إطار مساعيه لتحسين العلاقات الأمريكية مع روسيا أقوى حلفاء الأسد، وكان البرنامج قد تعرض للانتقاد لأن بعض أفراد المعارضة انضموا لجماعات إسلامية متشددة.
”روج آفا“ في خطر
قال مصدر آخر بوحدات حماية الشعب، إن قوات سوريا الديمقراطية يبلغ عدد أفرادها في الوقت الحالي نحو 40 ألف مقاتل، وبخلاف ذلك كونت السلطات الكردية منذ فترة طويلة قوات أمنية أخرى مثل ”الأساييش“، التي يقدر عدد أفرادها بعشرات الآلاف.
وأوضح أنه رغم أن الولايات المتحدة لم تزود الوحدات بأسلحة ثقيلة أو متقدمة فقد حصل المقاتلون الأكراد من مصادر أخرى على صواريخ مضادة للدبابات، مؤكدًا أن ”واجبنا هو المقاومة، هذا هو الشرق الأوسط والسوق السوداء على أشدها“.
وقال مصدر بالمعارضة السورية مطلع على الموقف التركي، إن أنقرة تراقب الأسلحة التي تسلم لوحدات حماية الشعب منذ فترة طويلة وكان ذلك نقطة خلاف مع واشنطن.
وأضاف أنهم ”كانوا يجرون مناقشات على الدوام مع الأمريكيين عن نوع الأسلحة التي تسلم إلى (وحدات حماية الشعب)، حزب العمال الكردستاني“.
ويتعرض الآن للهجوم شطر الحدود، الذي أخلته القوات الأمريكية هذا الأسبوع ويمتد مسافة 100 كيلومتر تقريبًا بين مدينتي تل أبيض ورأس العين السوريتين، فقد بدأت تركيا قصف المنطقة بضربات جوية وبالمدفعية يوم أمس الأربعاء.
وتلك المنطقة في الأساس أرض منبسطة مما يجعلها ساحة قتال صعبة على مقاتلي وحدات حماية الشعب المتمرسين، الذين اكتسبوا خبرة سنوات في حرب مدن في مواجهة المتشددين، لكن لا حول لهم ولا قوة تقريبًا في مواجهة الطائرات التركية.
ويُعد هذا الشريط الحدودي، الذي كان في جزء منه عبر التاريخ وجود عربي قوي، مهمًا للمقاتلين من أكراد سوريا لأنه يربط المناطق التي يغلب عليها الأكراد في الشمال الشرقي ببلدة كوباني الكردية، التي لا يزال للقوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها قاعدة فيها.
وبناء على مدى توغل القوات التركية في سوريا من الممكن أن يتعرض اتصال الأراضي الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا والمعروفة في اللغة التركية باسم ”روج آفا“ للخطر.
وسبق أن قالت قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على ربع مساحة سوريا في الشمال والشرق إن الخطوة الأمريكية بمثابة ”طعنة في الظهر“.
وقد عارضت واشنطن ظهور مناطق تتمتع بالحكم الذاتي يقتطعها قادة أتراك وحلفاؤهم في سوريا رغم دعمها العسكري لقوات سوريا الديمقراطية، التي تضم في صفوفها مقاتلين من العرب وعرقيات أخرى.
لسع البعوض
وللحد من المكاسب الكردية، نفذت تركيا حتى الآن عمليتي توغل كبريين في الشمال السوري، وأدت العملية الأخيرة منهما ”غصن الزيتون“ إلى إبعاد مقاتلي وحدات حماية الشعب وعدد كبير من المدنيين الأكراد عن منطقة عفرين في الشمال الغربي، ويشن المقاتلون الأكراد تمردًا في عفرين منذ ذلك الوقت.
وقال المصدر العسكري الأول في وحدات حماية الشعب، إن الشريط الحدودي بين المدينتين، الذي ينصب عليه اهتمام تركيا في الوقت الحالي قد يضيع في نهاية الأمر من يد الأكراد.
بينما أضاف أن قوات وحدات حماية الشعب عازمة على أن تجعل المعركة صعبة وطويلة بقدر الإمكان على تركيا بالاعتماد على التحصينات القائمة على الحدود والمقاتلين المستعدين للتضحية بأرواحهم في سبيل القضية الكردية.
وقال إنهم إذا واجهوا الهزيمة هناك ”فسيحدث تمرد لا نهاية له“ على القوات التركية هناك، مضيفًا ”سيدفعون ثمن ذلك، في نهاية الأمر ربما نفقد (تلك) المنطقة وهو ما يبدو أنه سيحدث، لكن هذا لا يعني أننا سنستسلم ونتراجع.“
وقال القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية جوزيف فوتل، الذي تقاعد هذا العام، إن المقاتلين الأكراد سيعجزون عن وقف الغزو التركي.
وأشار إلى أنه يعتقد ”أن الأكراد سيدافعون قبل كل شيء عن أنفسهم بأفضل وسيلة بإمكانهم، وعندما يتضح لهم أنهم لا يستطيعون التعامل مع هذا الجيش وتلك القدرات الحديثة جدًا لدى تركيا فأعتقد أنهم سيتركون المنطقة“.
وأكد المسؤول العسكري أنه ”لن ينصرف المقاتلون فحسب بل إني أتوقع أن يرحل مواطنون أيضًا لشعورهم بأنهم لن يكونوا آمنين بالبقاء في المنطقة“.
بدوره قال نهاد علي أوزجان المحلل الأمني لدى مؤسسة الأبحاث التركية ”تيباف“، إن قوات سوريا الديمقراطية ستستخدم أساليب حرب العصابات والكر والفر والألغام وتفجير القنابل على جوانب الطرق أو ربما الصواريخ المضادة للدبابات التي بحوزتها، مضيفًا أنهم ”سيواصلون اللسع مثل البعوض“.