تأمين الكوارث الطبيعية يمنح الأرض «متنفسًا» خلال الأعوام القادمة
بالتزامن مع الاحترار وتغير المناخ العالمي
تدمر الكوارث الطبيعية حول العالم أصولًا تقدر بمئات المليارات من الدولارات في كل عام، وغالبًا لا يشمل التأمين إلا جزءًا ضئيلًا فقط من الخسارة الاقتصادية الكبرى.
إلا أن الفجوة التأمينية ضد خسائر الكوارث الطبيعية قد تضاءلت في الدول الصناعية خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها ما تزال دون تبدّل بالبلدان النامية والناشئة، بينما الأخيرة هي الأكثر عرضة لتلك الكوارث.
ففي أعقاب عديد من حالات الخسائر الناجمة عن العواصف والفيضانات والانهيارات الأرضية والكوارث الأخرى، يتحمل الأشخاص والشركات المتضررة العبء الأكبر من الخسائر وغالبًا ما يعتمدون على الإعانات والتبرعات من بلدانهم أو من الخارج.
ووفقًا لشركة ميونخ ري لإعادة التأمين، فقد بلغت الخسائر العالمية الناجمة عن الكوارث الطبيعية 270 مليار دولار خلال عام 2022، في حين أن 55% منها كان غير مؤمن عليه!
وقد ظهر الاتجاه التصاعدي في رصد الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية -الإجمالية أو المؤمنة- لأول مرة في السبعينات من القرن الماضي، وسرعان ما حددت شركات إعادة التأمين علماء التأمين ذوي الخبرة لتحليل وتقييم أطياف المخاطر الطبيعية، بدءًا من الأعاصير والعواصف الرعدية الشديدة إلى الزلازل والبراكين.
فتحليلات المخاطر تعكس الحالة معرفة نماذج المخاطر ونطاق تغطياتها لعملاء التأمين، إضافة إلى تطوير حلول تأمينية مبتكرة.
ويأتي ذلك التقرير التحليلي -الذي نحن بصدده- إسهامًا منا لطرح رؤى جديدة لمواجهة أخطار الكوارث الطبيعية، في ظل تغير المناخ العالمي الذي يفرض خسائر متزايدة حينًا بعد آخر، بينما ظلت الأحداث الأكثر شدة أو تكرارًا هي المسيطرة على أرقام الكوارث الطبيعية لعامي 2022 و2023، وفقًا لأحدث نتائج البحوث، ومن ثم، يجب إعطاء الأولوية للوقاية والحماية المالية في شكل “تأمين”.
خسائر الكوارث الطبيعية المؤمّنة عالميًا تتجاوز 100 مليار دولار في 2024
وأشارت بيانات “ميونيخ ري” لإعادة التأمين، إلى أن إجمالي الخسائر العالمية المؤمنة سنويًا، خلال العام الجاري، الناجمة عن الكوارث الطبيعية قد تجاوز عتبة 100 مليار دولار، حتى الآن، بينما من الواضح أن الكوارث الكبرى، مثل الأعاصير والزلازل الشديدة، مسئولة عن تقلبات كبيرة في حجم الخسائر.
والشكل البياني التالي يبين تسلسل عدد الزلازل عالميًا في الفترة من 2004 وحتى 2021، وفق دائرة بيانات “ستاتيستا” (من تصميم الكاتب):
بينما توقعت “ميونيخ ري” لإعادة التأمين نموًا في سوق إعادة التأمين العالمية بنسبة 2-3% خلال السنوات الـ3 المقبلة، وهو معدل يضعها في منافسة شديدة مع قطاع التأمين المباشر، وقد يكون النمو أقوى قليلًا في آسيا والمحيط الهادي وأمريكا اللاتينية، في حين يبقى ضعيفًا في أوروبا وأمريكا الشمالية.
وكانت “AM Best” و”Guy Carpenter” قد توقعتا أن يصل رأسمال إعادة التأمين العالمي إلى 515 مليار دولار بحلول نهاية العام الجاري (2024)، وهو ما حدث بالفعل، وسط نمو طفيف في سوق رأس المال البديل للمخاطر، دون أي تأثير كبير على سوق إعادة التأمين.
والشكل البياني التالي يبين رحلة الخسائر العالمية إثر الكوارث الطبيعية في 20 سنة (2002-2022)، وفق دائرة بيانات “ستاتيستا” (من تصميم الباحث):
“هانوفر ري”: زيادة الطلب على إعادة تأمين الكوارث الطبيعية في تجديدات 2025
وتوقعت “هانوفر ري”، شركة إعادة التأمين العالمية، أن ينتهي العام الحالي (2024) بزيادة في معدل الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية، وبالتالي، زيادة الطلب على إعادة التأمين لهذا النوع من الأضرار.
وحسب تقرير لها، ذكرت “هانوفر ري” أن اتجاه المطالبات الذي شهدته الشركة في السنوات السابقة للكوارث الطبيعية يشير إلى أن العالم سيشهد مرة أخرى خسائر كبيرة بسبب الكوارث الطبيعية في عام 2025.
كما أن شركة E+S Rück التابعة لـ”هانوفر ري”، قد توقعت زيادة في الطلب على تغطية الكوارث الطبيعية، وفي الوقت نفسه، ستشهد الأسعار والشروط والأحكام مزيدًا من التحسينات المعدلة وفق حجم المخاطر.
والشكل البياني التالي يبين تطور حجم خسائر سوق التأمين بسبب الكوارث العالمية منذ 2005 وحتى 2022، وفق دائرة بيانات “سويس ري” (من تصميم الكاتب):
وقد علّق مايكل بيكل، الرئيس التنفيذي لشركة E+S Rück التابعة لـ”هانوفر ري”: واجهت صناعة التأمين عديدًا من الكوارث الطبيعية التي تسببت في خسائر وأضرار جسيمة، من جراء الفيضانات المدمرة في أعقاب أحداث الطقس القاسية غير العادية في السنوات السابقة مع هطول البرد والأمطار الغزيرة، فضلًا عن العواصف الشتوية.
«سويس ري» تتوقع زيادة الطلب على إعادة تأمين الممتلكات بمناطق الكوارث الطبيعية
وكانت “سويس ري”، شركة إعادة التأمين العالمية، قد توقعت أن يؤدي ارتفاع قيم الممتلكات إلى زيادة كبيرة في الطلب على إعادة تأمين الممتلكات، خاصة في المناطق المعرضة لأخطار متزايدة من الكوارث الطبيعية.
وفقًا لبيانات معهد سويس ري، فإن 2023 هو العام الـ4 على التوالي الذي تتجاوز فيه الخسائر العالمية المؤمنة الناجمة عن الكوارث الطبيعية عتبة 100 مليار دولار، بينما سيكون 2024 على مسار نفس اتجاه الخسائر.
إضافة إلى أن النصف الأول من 2024 قد شهد خسائر مؤمنة عالميًا بلغت 60 مليار دولار وهو ما يمثل 62% أعلى من المتوسط لـ10 سنوات مضت.
وقال أورس بيرتشي، الرئيس التنفيذي لقسم إعادة التأمين على الممتلكات والحوادث في “سويس ري”: تكثفت تحديات القطاع عالميًا، ما أدى إلى ارتفاع الطلب على تغطيات مواجهة مخاطر الكوارث الطبيعية المتزايدة، لا سيما مع عدم اليقين الاقتصادي وانعدام الاستقرار الجيوسياسي، ومن ثم، فإن إعادة التأمين هي الطريقة الطبيعية لشركات التأمين لحماية نفسها من الخسائر الضخمة.
بينما ترى شركة سويس ري أيضًا أن هناك طلبًا ملحوظًا على إعادة تأمين المهام الهندسية، وخاصة لمشروعات الطاقة المتجددة.
وكانت شركة سويس ري قد أطلقت مركز الكفاءة للطاقة المتجددة في عام 2023 لدعم عملائها في إدارة محافظ الطاقة المتجددة الخاصة بهم، لتعزيز التحول إلى الطاقة الخضراء.
“إعادة التأمين” عمود الخيمة للتعامل مع الكوارث الطبيعية
وقد أدت أحداث الكوارث الطبيعية على مدار عام 2024، التي تسببت في الفيضانات والانهيارات الأرضية والزلازل والأعاصير وغيرها، إلى خسائر بشرية كبيرة وأضرار ضخمة بالبنية التحتية، مما يسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى إدارة فعالة لمخاطر الكوارث الطبيعية وحلول التأمين.
والشكل البياني التالي يبين أقوى 10 زلازل على مستوى العالم حتى 2022، وفق دائرة بيانات شركة “ستاتيستا” (من تصميم الكاتب):
وحسب دراسة عائشة هوادف بعنوان “التأمين كآلية لإدارة مخاطر الكوارث الطبيعية في الجزائر بين تحديات الواقع وإستراتيجيات التفعيل”، فإن تغير المناخ يسبب العديد من المظاهر الطبيعية المنحرفة، كالأمطار الغزيرة وفيضانات الأنهار والعواصف وذوبان الثلوج، بينما لا يمكن تبرئة العنصر البشري من الذنب، فالتوسع العمراني وقطع الأشجار وأنظمة الصرف غير الصحية والتخطيط السيئ لاستخدام الأراضي كلها عوامل تؤثر على المناخ ويفضي إلى الكوارث الطبيعية.
وأفادت الدراسة المنشورة بمجلة الاقتصاد والتنمية البشرية في المجلد 13 والعدد 2 لسنة 2022، بأن الفيضانات -على سبيل المثال- تخلّف خسائر بشرية مثل فقدان الأرواح والتشريد، ومخاطر صحية ناجمة عن الأمراض المنقولة بالمياه، إضافة آثار اقتصادية تلحق بأضرار الممتلكات وفقدان سبل العيش والتكاليف الباهظة للإنقاذ وإعادة الإعمار، فضلًا عن الآثار البيئية مثل تآكل التربة وتلوث المياه وفقدان التنوع البيولوجي.
بينما أشارت الدراسة إلى أهمية الوقاية، إذ إنها جانب رئيس لتخفيف المخاطر، مثل تحسين البنية التحتية عبر بناء السدود والحواجز وأنظمة الصرف الفعالة، والتخطيط الحضري من خلال تنفيذ قوانين وتقنيات تراعي مخاطر الفيضانات، ناهيك عن الحلول الطبيعية كاستعادة الأراضي الرطبة والغابات لتعزيز امتصاص المياه الطبيعي.
ولفتت الدراسة إلى أن “أنظمة الإنذار المبكر” وتنفيذ “التقنيات التكنولوجية الزراعية” إنما هو عنصر فعال للتنبؤ بالفيضانات وتحذير الناس، إضافة إلى أهمية زيادة الوعي بين مختلف المجتمعات بمخاطر الكوارث الطبيعية وكيفية الاستجابة في حالات الطوارئ والتنسيق الفعال لعمليات الإنقاذ والإغاثة.
ويمكن الاطلاع على الدراسة كاملة في الملف الرقمي التالي:
حلول مبتكرة لإعادة التأمين تجاه الكوارث الطبيعية
وتحدثت إحدى الخبيرات تشغل منصبًا مهمًا بأكبر شركة مصرية في قطاع التأمين (آثرت عدم ذكر اسمها)، قائلة إن إطلاق منتجات مبتكرة مثل التأمين المعياري “البارامتري”، يحدد أقساط التأمين بناءً على معايير محددة مسبقًا، ككمية الأمطار وطبيعة الطقس، وهذا ما يوفر حلولًا تناسب جميع الأطراف.
وأضافت أن التأمين متناهي الصغر الذي تعتمده العديد من الدول الأفريقية، ومنها مصر، يوفر حلولًا ميسورة التكلفة مصممة خصيصًا للسكان ذوي الدخل المنخفض في المناطق المعرضة للكوارث الطبيعية.
وأكدت على أهمية الشراكات بين القطاعين العام والخاص، من خلال خطط حكومية، مثل برامج التأمين المدعومة من الحكومة وصناديق الإغاثة من الكوارث والتعاون مع المنظمات غير الحكومية بالشراكة مع المنظمات غير الربحية لتعزيز جهود التعافي.
وشددت على أهمية استغلال صور الأقمار الصناعية لتقييم الأخطار بشكل أفضل، إضافة إلى دعم أنظمة الإنذار المبكر بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مع تطوير سياسات دولية شاملة لمواجهة مخاطر الكوارث الطبيعية، من خلال مشاركة الموارد وأفضل الحلول.
والشكل البياني التالي يبين أكبر 10 كوارث طبيعية مثلت تضررًا اقتصاديًا في العالم منذ 1995 وحتى 2021، وفق دائرة بيانات شركة “ستاتيستا” (من تصميم الكاتب):
تغير المناخ يدفع “إعادة التأمين” لتبنّي إستراتيجيات جديدة
وكشفت العديد من التنبؤات لشركات إعادة التأمين أن الكوارث الطبيعية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستصل إلى مستوى متفاقم في السنوات القادمة، حيث ستواجه المنطقة تحديات بيئية كبيرة بسبب تغير المناخ.
ومع تزايد وتيرة حدة الكوارث الطبيعية، فإن قطاع إعادة التأمين يلعب دورًا حيويًا في ضمان الاستقرار المالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عبر اعتماد تقنيات متقدمة وممارسات قوية لإدارة المخاطر والحفاظ على ثقة التعامل مع الأحداث الكارثية.
فعلى شركات التأمين اتخاذ الاحتياطات اللازمة ضد مخاطر الكوارث الطبيعية، لتجنب التكاليف الباهظة التي تدفعها لعملائها كتعويضات عن الخسائر التي يتكبدونها نتيجة تلك الحوادث.
ومن الجدير بالذكر أن هناك قلقًا كبيرًا من موجات الحر ودرجات الحرارة القصوى في العالم، فمن المتوقع أن تتجاوز درجات الحرارة 50 درجة مئوية بشكل متكرر خلال 2025، حسب تقريرات لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، بينما يمكن أن تؤدي هذه الظروف إلى أزمات صحية وارتفاع معدلات الوفيات وإجهاد البنية التحتية خاصة في المناطق الحضرية.
ووفق بيانات منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، فإن قضية ندرة المياه ما تزال مسألة حرجة، حيث يوجد 12 من بين 17 دولة تعاني من ضائقة مائية شديدة في المنطقة، بينما شهد صيف وخريف 2024 جفافًا مستمرًا وشديدًا، مما أثّر على الإنتاجية الزراعية وأدى إلى نقص الغذاء.
ومن الجدير بالذكر، أن الظروف المناخية القاسية تؤدي إلى ارتفاع مستويات سطح البحر والفيضانات في المناطق الساحلية، مثل الأسكندرية في مصر والبصرة في العراق وأغادير بالمغرب وشيلا بكينيا ونونجوي بتانزانيا وغير ذلك، بسبب ارتفاع مستويات سطح البحر، وهذا ما يعطل الاقتصادات المحلية ويؤدي إلى تهجير السكان وتدمير البنية التحتية.
ولا بد من الإشارة إلى أن عمليات التصحر في المنطقة تبقى في ازدياد، مما يؤثر على دول مثل الأردن وإيران وأجزاء من شمال أفريقيا، يؤدي هذا إلى فقدان الأراضي الزراعية ويضغط على الموارد الغذائية والمائية، ومن المرجح أن تؤدي ندرة الموارد الطبيعية وخاصة المياه إلى زيادة التوترات الجيوسياسية، في حين تصبح قضية المياه أداة سياسية للضغط على الدول.
والشكل البياني التالي يبين رحلة الخسائر العالمية إثر الزلازل منذ 2004 وحتى 2022، وفق دائرة بيانات شركة “ستاتيستا” (من تصميم الكاتب):
استعدادات شركات إعادة التأمين للكوارث الطبيعية
وأخيرًا، فإن التحديات المفروضة على شركات إعادة التأمين والتأمين لقاء أخطار الكوارث الطبيعية وتغير المناخ، تستوجب اعتماد إستراتيجيات شاملة، مثل استخدام أدوات النمذجة المتقدمة والحلول البرمجية للتنبؤ “بدقة” بتأثير الكوارث الطبيعية، عبر استخدام تحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي (AI) لتوقع سيناريوهات الكوارث وتأثيراتها الاقتصادية المحتملة.
كما يجب على الشركات التأكد من وجود احتياطيات رأسمالية كافية لتغطية المطالبات الكبيرة، وهو أمر بالغ الأهمية، كما أن تنويع الاستثمارات ومحافظ إعادة التأمين يسهم في تخفيف المخاطر المرتبطة بالكوارث الإقليمية.
إضافة إلى أن تطوير الشراكات بين القطاعين العام والخاص والتعاون مع الحكومات يمكن أن يعزز جهود الاستجابة للكوارث والتعافي منها، إذ يمكن لذلك التعاون تسهيل تخصيص الموارد بشكل أفضل وإعادة بناء البنية التحتية بعد الكوارث.
ولا تخفى أهمية تشجيع شركات التأمين لدعم مشروعات البنية التحتية المقاومة للمناخ، من خلال تحفيز تغطيات المنشئات الخضراء، مما يضمن أكبر قدر من المرونة والاستدامة في مواجهة مخاطر المناخ المتزايدة.