عبدالناصر الواحي يكتب: بين المطرقة والإنجاز: كيف يُعيد السيسي تشكيل مصر وسط العواصف؟

في ظل إقليم مشتعل واقتصاد عالمي مضطرب، تقف مصر بقيادتها الحالية أمام لحظة فارقة من تاريخها الحديث.

الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي تولى مقاليد الحكم في واحدة من أكثر اللحظات تعقيدًا في تاريخ البلاد بات اليوم على رأس مشروع وطني ضخم يهدف إلى إعادة بناء الدولة المصرية من الجذور وسط تحديات داخلية وخارجية قد تفوق في بعض الأحيان حجم الإنجاز ذاته..

من العاصمة الإدارية الجديدة إلى شبكة الطرق العملاقة، ومن تطوير البنية التحتية إلى تعظيم موارد الدولة، إذ خاضت الحكومة المصرية خلال السنوات الماضية سباقًا مع الزمن لإنجاز ما يشبه ثورة في البناء والتحديث.

وتحولت مصر إلى ورشة عمل مفتوحة، لا تهدأ فيها المعدات، ولا يتوقف فيها الحلم. ومع كل مشروع يتم افتتاحه، يتجدد الجدل بين مؤيد يرى أن هذه المشروعات تصنع المستقبل، ومنتقد يعتبر أن الأولوية يجب أن تكون لتحسين الواقع المعيشي اليومي للمواطن.

في ملف الطاقة، تمكنت الدولة من تحقيق تحول استراتيجي غير مسبوق، فتحولت من مستورد للغاز إلى مركز إقليمي للطاقة، ما منحها نفوذاً جديدًا في خريطة العلاقات الدولية، خاصة بعد الاكتشافات الكبرى في البحر المتوسط، وفي مقدمتها حقل “ظهر”. كما نجحت الدولة في استعادة قدر كبير من الأمن والاستقرار، بعد معارك ضارية ضد الإرهاب، خصوصًا في شمال سيناء، وهي معارك توازت فيها القبضة الأمنية مع محاولات تنمية شاملة في تلك المناطق.

وعلى صعيد العدالة الاجتماعية، أطلقت الحكومة العديد من المبادرات التي هدفت إلى تحسين حياة ملايين المصريين، كان أبرزها مبادرة “حياة كريمة”، التي تُعد واحدة من أكبر مشروعات التنمية الريفية في تاريخ مصر الحديث.

هذه الخطوات لاقت استحسانًا واسعًا لكنها لم تمنع الانتقادات المرتبطة بملف الأسعار والدخول، وهو الملف الذي يظل مصدر قلق حقيقي للشارع المصري، في ظل تقلبات سعر الصرف، وارتفاع أسعار السلع الأساسية.

لكن في مقابل كل هذه التحركات، تظل التحديات قائمة ومتشابكة. الاقتصاد المصري لا يزال يعاني من ضغط كبير بسبب أزمات خارجية مثل الحرب الروسية- الأوكرانية، وتراجع الاستثمار الأجنبي في بعض القطاعات، فضلًا عن الزيادة السكانية التي تلتهم ثمار التنمية بشكل مستمر. كما أن قضية سد النهضة لا تزال تمثل اختبارًا للدبلوماسية المصرية، في ظل محاولات مستمرة لتأمين حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، دون الانزلاق إلى صدام مباشر.

سياسيًا، هناك من يرى أن مصر بحاجة إلى انفراجة في مجال الحريات العامة وتوسيع المشاركة السياسية، وهي النقطة التي تسعى الدولة لمعالجتها عبر مبادرات مثل “الحوار الوطني”، الذي طُرح بهدف خلق مناخ من النقاش المجتمعي حول المستقبل، لكن لا تزال التوقعات الشعبية تنتظر خطوات أكثر واقعية على الأرض.

وبينما تواصل الدولة السير في طريق التنمية غير المسبوقة، يتساءل الشارع: هل تنجح مصر في تحقيق المعادلة الصعبة بين بناء وطن حديث ومواجهة الضغوط الاقتصادية المتزايدة؟ وهل تستطيع القيادة الحالية أن توازن بين الإنجاز والتناغم الشعبي؟..

المؤكد أن السنوات المقبلة ستظل حبلى بالإجابات في وطن لا يعرف التراجع ولا يملك رفاهية الانتظار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!