كلير صدقى تكتب:الاختبار النفسي حائط صد لموجة التحرش والعنف بالمدارس.. و“طوق النجاة” لدى الأخصائي النفسي!!

أكتب هذا المقال وأنا ما زلت أشعر بضيق شديد ووجع داخلي حقيقي من كل ما نسمعه ونراه داخل بعض المدارس. فكل يوم تظهر واقعة جديدة، عنف أو تحرش أو اعتداء، وكأن هناك من ينجو “بالمصادفة” أو بفضل طوق نجاة إلهي… بينما آخرون لا يجدون من يحميهم أو يسمع صرختهم.
لقد وصلت الأمور إلى مرحلة لا يمكن السكوت عليها، وعلينا أن نسأل بوضوح وصراحة:
أين دور الأخصائي النفسي والاجتماعي من من تلك الكوارث؟!
الأخصائي النفسي والاجتماعي في المدارس ليس مجرد موظف يوقّع حضوراً وانصرافاً ،بل هو عين المدرسة التي ترى ما لا يراه المدير والمعلمون…
وهو أذن الطفل التي تستمع لشكواه…
وهو الدرع الذي يمنع الكوارث قبل وقوعها ،لكن للأسف، في كثير من المدارس يتم تهميش دور الأخصائي،فلا يُمنح الأدوات أو الصلاحيات الكافية ،لا يُسمح له بالتواصل الحقيقي مع الطلاب ،يُكلف بمهام إدارية بدل مهامه الأساسية.
والنتيجة؟
أطفال يتأذون… وطلاب يتعرضون للتحرش… ومعلمون يشتطّون في العقاب… ومنظومة تعليمية تهتز من الداخل.
أطالب الجهات المعنية بضرورة فرض اختبار نفسي إلزامي للمعلمين
فمن غير المعقول أن نضع أطفالنا بين يدي بعض الأشخاص وليس جمعيهم ، قد يعانون من اضطرابات نفسية أو ضغوط غير مُعالجة، لذلك أصبح ضرورياً:
إجراء اختبار نفسي إلزامي ودوري لكل المعلمين والإداريين والعاملين داخل المدارس.
ويشمل ذلك قدرة المعلم على ضبط النفس، ومهارات التواصل مع الأطفال ،واستجابات الغضب والضغط ،تاريخ السلوك الشخصي والمهني ،تقييم للصحة النفسية العامة.
لا يمكن أن نسمح بأن يتحوّل أي اضطراب نفسي غير مُعالج إلى كارثة تصيب طفلاً بريئاً.
● دور الأخصائي في مراقبة العاملين والطلاب
الأخصائي يجب أن يكون صاحب دور فعّال في مراقبة الحالة النفسية والسلوكية للجميع داخل المدرسة:
متابعة سلوك المعلمين بشكل دوري وملاحظة أي تغيرات أو تصرفات غير صحية.
تقديم تقارير شهرية للإدارة عن المناخ النفسي داخل المدرسة.
عمل جلسات دعم للمعلمين لتخفيف الضغط النفسي.
اكتشاف الطلاب الذين يظهر عليهم الخوف أو الانطواء أو علامات التحرش.
تقديم تدخل سريع عند أي أزمة قبل أن تتفاقم.
لو أدّى الأخصائي دوره الحقيقي، لكانت كثير من الكوارث التي نراها اليوم قد تم منعها قبل وقوعها.
● توفير اختبار نفسي للطلاب أيضاً
لأن بعض حالات العنف أو التحرش لا تأتي فقط من الكبار، بل من طلاب يعانون من:
اضطرابات أسرية،كإيذاء منزلي ،وضغوط نفسية،وسلوكيات منحرفة مكتسبة
لذلك يجب إجراء تقييم دوري للطلاب في جميع المراحل، للكشف المبكر عن أي اضطرابات أو مشكلات سلوكية.
● منظومة التعليم تحتاج إعادة بناء
هذه الأزمات المتكررة تؤثر على المنظومة بالكامل ،حيث تسبب فقدان الأمان داخل المدارس ،وضرب ثقة الأسر في التعليم ،وانتشار الخوف بين الطلاب
إضافة الى اهتزاز دور المعلم وانهيار صورة المدرسة كبيئة تربوية
ولا بد من حلول حقيقية، وليس مجرد وعود أو بيانات ،ورغم تحرك الدولة لتشديد الانضباط وتطوير التعليم ودعم المعلمين، إلا أن المعالجة النفسية داخل المدارس ما زالت ضعيفة جداً.
نحتاج إلى قرار واضح وصارم:
لا مدرسة بلا أخصائي قوي، مدرّب، ومفعّل تماماً.
ولا معلم دون تقييم نفسي…
ولا طالب بلا حماية…
ولا مدرسة بلا رقابة.
● كلمة أخيرة من قلب موجوع
أنا متضايقة… غاضبة… قلقة على أطفالنا.
لم يعد مقبولاً أن يذهب طفل للمدرسة وهو غير آمن، أو أن يعود مصدوماً لأنه لم يجد من يحميه.
العنف والتحرش داخل المدارس ليسا مجرد “مشكلات عابرة”…
إنهما جرح في قلب المجتمع كله.
إن أردنا إنقاذ التعليم وإنقاذ أطفالنا، فعلينا أن نرفع صوتنا، نطالب بالتحرك الحقيقي، وندعم دور الأخصائي النفسي، لأنه—وحده—قد يكون طوق النجاة الأخير قبل أن ينهار كل شيء.
واخيرا أتساءل: هل وصل بنا الحال إلى ما يشبه أسوأ صور الانهيار الأخلاقي التي عرفها التاريخ؟
هذه ليست مجرد وقائع، إنها ناقوس خطر—صرخة تطلب تدخل الأسر، والمدارس، والدولة، والمجتمع كله.
فالأطفال ليسوا مسؤوليتهم وحدهم، بل مسؤولية وطن كامل.
إذا تركنا الأمور تتفاقم، سنفقد جيلاً كاملاً كان يستحق فرصته في الأمان والتعليم والنمو السليم.
وإذا تحركنا الآن… ربما نستطيع إنقاذ ما يمكن إنقاذه.




