د الهام فايد تكتب.. قراءه فى حصاد وزارة البيئة لعام 2025

أتابع عن قرب ملفات البيئة في مصر، لا بوصفها قضايا فنية معزولة، بل باعتبارها مرآة لمدى جدية الدولة في حماية حق المواطن في هواء نظيف، ومياه آمنة، وموارد لا تُهدر. وفي عام 2025، بدا واضحًا أن هذا الملف لم يعد يُدار بردود الأفعال، وإنما برؤية متكاملة تقودها قيادة تنفيذية تدرك أن حماية البيئة هي استثمار طويل الأجل في مستقبل الوطن.
في قلب هذا المشهد، برز دور الدكتورة منال عوض، القائم بأعمال وزيرة البيئة، التي اتسم أداؤها بالجمع بين الانضباط الإداري والفهم العميق لتعقيدات الملف البيئي، سواء على المستوى الدولي أو في الميدان، لم يكن حضورها مقتصرا على المؤتمرات أو البيانات الرسمية، بل امتد إلى جولات ميدانية، وقرارات تنفيذية، وإدارة دقيقة لملفات شديدة الحساسية تمس حياة المواطنين مباشرة.
على الصعيد الدولي، رسخت مصر مكانتها كفاعل رئيسي في الدبلوماسية البيئية، من خلال رئاستها لمؤتمر الأطراف المتعاقدة لحماية بيئة البحر المتوسط (COP24 – برشلونة)، ومشاركتها الفاعلة في مفاوضات المناخ العالمية، وصولا إلى دورها المؤثر في مفاوضات الحد من التلوث البلاستيكي، هذا الحضور الدولي جاء انعكاسا لسياسة واضحة تقودها وزارة البيئة، تقوم على الربط بين الالتزامات البيئية ومتطلبات التنمية.
في ملف الاقتصاد الأزرق، تبنت الوزارة نهجا عمليا، تجاوز الشعارات إلى التخطيط والتنفيذ، عبر التوسع في إعلان المحميات البحرية، وعلى رأسها إعلان المنطقة الكاملة للحيد المرجاني العظيم بالبحر الأحمر كمحمية طبيعية، بما يعزز حماية التنوع البيولوجي ويدعم السياحة البيئية، كما شاركت مصر بفاعلية في إعداد الاستراتيجيات الإقليمية للاقتصاد الأزرق في البحر المتوسط والبحر الأحمر وخليج عدن، في تأكيد لدورها الإقليمي ومسؤوليتها البيئية.
داخليا، شهدت المحميات الطبيعية جهدا لافتا، قادته الوزارة بسياسة التوازن بين الحماية والتنمية، من خلال تشديد الرقابة ورفع كفاءة الإدارة، ودعم الاستثمار البيئي المسؤول، مع إشراك المجتمعات المحلية في مشروعات تنموية مستدامة، مثل زراعة المانجروف، ومشروعات النحل والنباتات الطبية، كما تم توظيف أدوات التكنولوجيا الحديثة في رصد التنوع البيولوجي، بما يعكس فهما عصريا لإدارة الموارد الطبيعية.
في ملف التغيرات المناخية، تحركت الوزارة بخطوات محسوبة، عبر حشد تمويلات دولية كبيرة لدعم مشروعات التخفيف والتكيف، والانتهاء من التحديث الثالث للمساهمات الوطنية المحددة (NDC 3.0)، بما يعزز التزام مصر بخفض الانبعاثات، كما تم إطلاق برامج لتمكين الشباب، وفي مقدمتها «قادة المناخ»، لإعداد كوادر قادرة على تحويل الأفكار إلى حلول واقعية.
ولأن العمل البيئي لا يكتمل دون تحسين حياة المواطن اليومية، أولت الوزارة اهتماما خاصا بملف المخلفات، من خلال تطوير البنية التحتية، وإنشاء مدافن ومحطات معالجة، والتوسع في مشروعات الطاقة الحيوية، إلى جانب قرارات حاسمة للحد من التلوث البلاستيكي، كما تواصلت الجهود لتحسين نوعية الهواء، ومواجهة نوبات التلوث، ودعم التحول الأخضر في الصناعة دون الإضرار بعجلة الإنتاج.
إن قراءة حصاد وزارة البيئة خلال عام 2025 تكشف عن نمط جديد في إدارة الملف البيئي، يقوم على العمل الصامت، والتخطيط طويل الأمد، والتنسيق بين الدولة والمجتمع والقطاع الخاص، ويحسب للدكتورة منال عوض أنها أدارت هذا الملف بحس وطني واضح، ووعي مؤسسي، بعيدا عن الاستعراض، وقريبا من جوهر التحدي، فالبيئة لم تعد ملفا ثانويا، بل أصبحت معيارا لجدية التنمية، وما تحقق يؤكد أن الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة قد بدأ بخطوات ثابتة.

ومن موقعي كمنسق عام الاتحاد المصري لسفراء المناخ، أستطيع أن أؤكد أن ما نشهده اليوم في ملف البيئة لم يعد جهدا حكوميا منفصلا عن المجتمع، بل أصبح مسارا تشاركيا تتقاطع فيه السياسات العامة مع وعي الشباب، وخبرات المتخصصين، ودور المجتمع المدني، هذا التكامل هو الضمان الحقيقي لاستدامة أي إنجاز، وهو ما لمسناه بوضوح في انفتاح وزارة البيئة على المبادرات المجتمعية، ودعمها لبرامج التوعية وبناء القدرات المناخية.
إن المرحلة المقبلة تتطلب البناء على ما تحقق، وتعزيز جسور الثقة بين الدولة والمواطن في القضايا البيئية والمناخية، وتحويل الالتزام المناخي إلى ثقافة عامة وسلوك يومي، وما دام هذا النهج قائما، فإن مصر قادرة ليس فقط على مواجهة تحديات التغير المناخي، بل على تقديم نموذج إقليمي يحتذى به في الربط بين حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!