الدكتورة أماني فؤاد تكتب : حتى استوت بحيرة

اعتادت تلك السيدة التي تجلس وحيدة في شرفة الفندق القديم المواجه للشاطئ أن تحتسي قهوتها بتمهل ثم تنصرف، قال من سبقني في الخدمة أنها امرأة مسحورة، تتجمع ثم تتلاشى مثل الموج، منذ ما يقرب من سنة وبضعة أيام برزت بعض الصخور فوق خدها الأيمن، المرأة التي كلما بكت تصاعدت دموعها لأعلى حتى استوت بحيرة، يوما بعد آخر اتسعت رقعة المياة وامتدت لتحيط برأسها، ثم ارتفعت أمواجها وفاضت، حكوا أن السيدة ذات الشعر الكستنائي ضاقت بالمياه التي تتساقط من أعلاها دائما لذا أقامت بعض السدود، دقت أيضا بعض أعمدة الإنارة حول أطرافها رغم أنها لا تخشى الظلمة. كان أن ضاقت بتماسيح البحيرة التي تهاجم كائناتها الشفيفة، لذا جهزت عبوة ديناميت شديد الانفجار ثم تركت إحدى يديها فوق زر التشغيل.

امتدت عدة طرق حول البحيرة و تفرعت، فاستدعت مشاهد من ذاكراتها كانت لهما معا، وأشارت بعصاها فحولتها لمنحوتات وافرة الألق زينت بها الميادين، عيونه التي عشقتها وحدةٌ تكررت في التماثيل والجداريات التي أقامتها. كان أن رتبت معه مشاهد لسنوات حبهما القادمة فنحتتها هي أيضا وزينت بها الفراغات التي لم تعشها، فوق الطرقات التي لم تجمعهما يوما.

في إحدى الليالي التي تشبه قارورة سُخط حارق جَمَّعت كلماتها التي أُريقت دماؤها حين لم يستقبلها أو يرد عليها، ثم ألقتها بوسط البحيرة أعلى رأسها وغفت. في الصباح وجدت مئات الأشرعة لقوارب مبحرة نحو الأفق.

قالوا أن التائهين في البحيرات الوحشية لا يعودون عادة، كذبتهم، أطلقت بعض طيورها البيضاء لحراسة كلماتها التي أُريق دمها طيلة السنوات الماضية.

المرأة التي كلما بكت استوت أعلى رأسها بحيرة وجدتُها اليوم ممددة فوق التل البعيد المواجه للشاطئ، تصارع كائناتها الشفيفة، تقبض يدها فقط على بحيرتها خوفا من أن تختلط بالبحر.

تلال الصمت، ومنحوتاتها الباهرة، وعبوة الديناميت، يحتسون القهوة بتمهل في نفس موقعها في شرفة الفندق القديم، كانوا يراقبون طيورها البيضاء التي أطلقتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار