المرأة بين مطرقة العنف وسندان القانون: عندما تصبح محكمة الأسرة ساحةً للدم…

المرأة بين مطرقة العنف وسندان القانون: عندما تصبح محكمة الأسرة ساحةً للدم…
كتبت د./ سلوى عثمان.
الكاتبة والباحثة فى شؤون المرأة العربية
امين المراة المساعد بمركزيةحزب العدل.
في حادثة مفزعة لا يمكن تجاهلها، شهدت إحدى محاكم الأسرة جريمة بشعة، حيث أقدم زوج على طعن زوجته بسكين داخل أروقة المحكمة، فقط لأنها رفعت عليه دعوى خُلع. لم يكن في يد هذه السيدة سوى اللجوء للقانون بحثًا عن أبسط حقوقها: الكرامة، والأمان، والحياة. ولكن يد الغدر سبقتها، وحوّلت قاعة المحكمة من ملاذ للعدل إلى مسرح لدمٍ وانتهاك صريح لكل القيم الإنسانية.
هذه الحادثة، رغم بشاعتها، ليست الأولى من نوعها، ولكنها جرس إنذار صاخب لمجتمع يصرّ على التستر على وجع النساء، والاستهانة بحقوقهن، وغض الطرف عن العنف المستتر والظاهر الذي يتعرضن له يوميًا، سواء داخل جدران البيوت أو في قلب المؤسسات التي يُفترض أن تحميهن.
الحق في طلب الطلاق أو الخُلع ليس جريمة
من المؤسف أن بعض الرجال ما زالوا ينظرون إلى المرأة التي تطلب الطلاق أو الخلع باعتبارها “خارجة عن الطاعة” أو “متمردة”، رغم أن القانون كفل لها هذا الحق كخيار أخير حين تنعدم المودة وتنعدم الأمان. فالمرأة لا تلجأ إلى ساحات المحاكم عبثًا، وإنما غالبًا بعد معاناة طويلة من الإهمال أو الإهانة أو حتى العنف الجسدي والنفسي. وعندما تُواجَه المرأة بهذا الشكل الدموي لمجرد استخدامها حقًا قانونيًا، فنحن أمام مجتمع يفتقر إلى أبسط مفاهيم العدالة الإنسانية.
أين دور الحماية الاجتماعية؟
ما حدث داخل المحكمة يضع علامات استفهام كثيرة حول ضعف التدابير الأمنية في أماكن يُفترض أن تكون آمنة للنساء. كما يكشف عن قصور في منظومة الحماية الاجتماعية والقانونية، التي يجب أن تبدأ منذ لحظة التهديد، وليس بعد وقوع الجريمة. لماذا لم يتم التعامل مع التهديدات أو السلوكيات العدوانية لهذا الزوج مسبقًا؟ لماذا لا توجد إجراءات احترازية لحماية النساء اللاتي يُقبلن على قضايا أسرية حساسة؟
المرأة ليست كائنًا تابعًا بل إنسان كامل الحقوق
مجتمعنا لا يزال يعاني من ترسّبات فكرية قديمة تُحمّل المرأة وحدها مسؤولية فشل الزواج، وتُرهبها من فكرة الاستقلال أو الاعتراض. في الوقت الذي يجب أن يُعاد فيه النظر إلى المرأة كإنسان كامل الأهلية، له الحق في اتخاذ قراراته، وفي العيش بكرامة، دون أن يُهدد أو يُعاقب لمجرد أنه قال: “كفى”.
ما هو المطلوب؟
1. تشريعات أشد صرامة ضد كل من يُهدد أو يعتدي على امرأة رفعت قضية طلاق أو خُلع، مع اعتبار التهديدات السابقة عوامل مشددة للعقوبة.
2. تأمين حقيقي للمحاكم، خاصة محاكم الأسرة، التي صارت مسرحًا للتصعيد العنيف في كثير من القضايا.
3. دور فعال للمجتمع المدني والإعلام في توعية النساء بحقوقهن القانونية والإنسانية، وفضح هذه الجرائم وعدم التهوين منها.
4. برامج دعم نفسي واجتماعي للنساء المعرضات للعنف، تساعدهن على اتخاذ القرار الصحيح دون خوف أو خجل.
في الختام…
حادثة طعن سيدة داخل محكمة الأسرة لم تكن مجرد مشهد عنف، بل كانت صرخة مؤلمة في وجه مجتمع لا يزال يتعامل مع المرأة على أنها ملكية خاصة، لا تملك أن تختار مصيرها. ولكل من يبرر أو يهون أو يصمت، تذكّر أن الصمت في مواجهة الظلم ليس حيادًا، بل هو مشاركة غير مباشرة في الجريمة.
آن الأوان أن نُعيد صياغة مفهوم “الأسرة” ليقوم على المساواة، والاحترام، والأمان—not على الخوف والقهر والتسلط.




