الدكتور أماني فؤاد تكتب : أهمية الصالونات الثقافية

ــ في الصالون الثقافي يستمع المتلقي لأكثر من زاوية نظر للموضوع ذاته فندرك أن للحقائق أوجه بلا حصر، كما نعي فوائد التعدد وقيمة جدل الأفكار.

ــ نلتقي بمن نقرأ لهم من أعلام وكتاب في مواجهة واقعية، فتتجسد لنا أفكارهم حين يهبونها من أرواحهم ونبضهم، فتصبح حيوية النقاش أكثر جذبا في تشكيل الوعي والفكر.

وقد يجد بعض رواد الصالون نماذج من الشخصيات التي تسهم في إثراء النقاش والحركة الفكرية فينظر إليها بحسبانها القدوة، وهو ما يوجد البدائل الجادة غير المشوهة التي يفتقدها الشباب في المجتمع.

ــ في الصالون تجد نفسك في قلب المشاركة والاعتراك بالأفكار التي تُطرح فيدعوك هذا لتدريب قدراتك على كيفية التفكير والنقد وتطوير الذات، والتعبير عنها بلغة لائقة.

ــ ما يطرح من نقاش لموضوعات مختلفة في الصالون يثري الحركة الثقافية العامة، ويهب منبرا للحديث عن إسهامات الإبداع والنقد والعلوم في المجالات كافة، فكلما انخفض صوت الناقد ارتفع صوت الدجال.

ــ تذهب إلى الصالون باختيارك، وتختار ما يهمك من موضوعات وليس ما يفرض عليك، لذا فأنت أكثر تقبلا لما يُعرض به.

وأحسب أن على الصالونات الثقافية لضمان استمرارها ونجاح أهدافها أن تشتبك مع القضايا التي تهم روادها في مناقشات حقيقية، وطرح أفكار جادة ومنتج فني متميز، وأن تخلو من الأجواء الاحتفائية التي بلا قيمة وليست إلا ضجيج بلا طحن ليشعر الجميع بجديتها وتماسها مع ما يشغلهم.

وبمناسبة تدشين الصالون الثقافي التابع لمعهد النقد الفني في أكاديمية الفنون العريقة أود أن أشير إلى الصالون الثقافي للدكتور عبد المنعم تليمة ففي هذا الصالون شعرت أنني أبدأ التعلم على نحو آخر من جديد. فمن خلال قطبية الدكتور عبد المنعم تليمة، والدكتور صلاح قنصوه لمست قيمة الأفكار التي تتجادل، وتتكامل وجهات النظر إليها، كما تنوعت فيه الموضوعات والمعارف والفنون فكان يمثل نافذة مفتوحة على كل ما يحيط بالإنسان من موضوعات.

أتذكر أنني ربما مكثت شهورا استمع فقط ولا أتكلم، رغم أنني لم أنتظم بالصالون إلا بعد حصولي على درجة الدكتوراة، وأذكر أنني قلت لوالدتي رحمها الله أنني أشعر في هذا الصالون أن عليّ أن أضاعف من حواسي جميعها لأحيط علما واستيعابا بكل ما يقال ويطرح به.

تدربت قدراتي على الحوار والمناقشة وآدابها، تعلمت الاختلاف في إطار من الاحترام والود، تعلمت تقبل الآخر حتى رغم الاختلاف واحترام ما يطرحه، صدمتي بعض الأفكار في البداية ثم رأيت كيف أن اتساع الأفق يجعلك أكثر قدرة على تكوين الحس النقدي.

ثم جاءت بالتدريج مرحلة إدارة هذا الصالون العريق ” صالون عبد المنعم تليمة” مرة كل شهر بتكليف من صاحبه، وإعداد موضوعاته واختيار الضيوف المشاركين.

ثم كان تكليفي بإعداد وإدارة “صالون نجيب” محفوظ من قبل لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة وأتصور أننا قمنا بالمساهمة في تنشيط الحركة الثقافية من خلاله لسنوات، لكن كان قلة الحضور والمتابعين هو ما جعلني أتوقف لأبحث عن الوسائل التي تجعل أي صالون ثقافي أكثر حيوية وجاذب لأكبر عدد من الحضور.

تحتاج الصالونات الأدبية لمناخ من الأمن العام، واتساع نطاق حرية التعبير عن الرأي، ولو توفر لها هذا يمكن أن تمثل الوسط والمناخ المناسب للغاية للثراء الفكري العام، وتثقيف الوعي وجعله أكثر انفتاحا. تمثل الصالونات الثقافية والأدبية أنشطة حيوية للمجتمع المدني وهو الدور الذي يقع على الأفراد القادرين على هذا علما وثقافة وقدرة على الإدارة.

كما أن الدولة بمؤسساتها الثقافية ليست وحدها المسئولة عن تنمية وتطوير وعي الجماهير وثقافتهم وخلق العقل المفكر الناقد، بل هي مسئولية الأفراد الذين يستطيعون ويمتلكون قدرات التأثير وإمكاناته العلمية، كما أنها مسئولية الجامعات والأكاديميات وأهدافهم التي تتغيا الاشتباك مع قضايا المجتمع والبيئة المحيطة بهم، وأيضا مسئولية المجتمع المدني وجمعياته، مسئولية الأحزاب والمراكز الثقافية، مسئولية كل من يريد أن يساهم شريطة أن يملك مقومات الإضافة وليس الصخب فحسب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار