مجمد عز الدين يكتب..في محبة الملك فيصل

عندما تقف في ميدان الجيزة، ناظرًا نحو الجنوب، تجد ثلاث تفريعات واضحة (فيصل – الهرم – المنيب)، وبترتيب الازدحام من اليمين إلى اليسار، تدرك أن طريقك الأصعب سيكون في اتجاه شارع الملك فيصل.

ما أن تلِج إلى هذا الشارع، حتى تتيقن أن الوقت فيه يمر أبطأ من العالم! فمرور نصف ساعة خارجه، تساوي ساعة -ربما- أو ساعتين داخله! ومع تورطك في المسير بين دروبه، ستدرك أن دراسته كحالة اجتماعية (أنثروبولوجيًا تحديدًا) أمر غاية في الإلحاح! لتنوعه الجلي في الجنسيات والثقافات! نعم مثلما قرأت، فبين السودانية واليمنية والمصرية -طبعًا- وغيرهن؛ ستجد مزيجًا، من النادر مقابلته في منطقة سكنية واحدة، وستتأكد أن شارع الملك فيصل، بغزارته السكانية والتجارية! مدينة منفصلة ذات حدود واستقلالية! يلجأ لها الكثيرون بحثًا عن هوية جديدة -أحيانًا- فتكون إجابتهم تحمل العجب والصدق في آن واحد، حين تسأل أيًا منهم، وأيًا كانت جنسيته: “انت منين؟”، فيجيبك بكل ثقة: “من فيصل”!

المساكن، الطالبية، العشرين، المطبعة، الطوابق، المريوطية… أسماء -وغيرها الكثير- يألفها أهل فيصل، ففيها تدور الحكايات، عن (الجدعنة والبلطجة، الكرم والدواليب، التحرش والونس، العنصرية والمحبة…)، كل الأضّاد في مكان واحد، تجمعهم المقاهي والشوارع، وتنوع أنثروبولوجي لافت للنظر! نشاهده في أمواج من البشر تتلاطم وتتلاحم كل يوم، يجمع بينها هاجس واحد -حتى وإن ظلت “فيصل” وطن للجميع- متى نعود إلى الوطن؟ أو متى يعود إلينا؟!

“كلنا هنا لاجئين” إجابة خرجت من رجل صعيدي عجوز وجدته جالسًا على الرصيف بجوار (مطعم بافلو برجر) وقد ضربته الحكمة، فلم يعد يأبه بالخوف- حين سألته: “انت شايف مشكلة حقيقة في زحمة اللاجئين، تحديدا السودانيين واليمنيين هنا في فيصل”؟! ثم أكمل في رصانة: “كلنا بنسعى ورا الرزق، والأمان والستر، وماحدش مننا يحب يسيب بيته وأرضه تتحكم فيهم العسكر وخناقاتهم، واللحظة اللي هاتزول فيها الغمة؛ كله هايرجع لأصله وياخد بلده بالأحضان، بس قول يا رب نتعلم الدرس وكل واحد يحاجي على حقه، ساعتها مش هاتلاقي لاجئين يا أبو عمو”!

مصر مملوءة بالأماكن الشبيهة بشارع الملك فيصل وتخومه ومشكلاته! لكن هذا المكان الشقي، والظرف الراهن، فرضا علينا النظر والبحث والتأمل؛ إذا استطاع سكان فيصل رغم تعدد الجنسيات والثقافات أن يحيوا، ويتجاوروا وينسجموا بدرجة ما، فالمشكلة إذن ليست في الشعوب! بل في أنظمتها الحاكمة! وأي إطلالة سريعة على هذه الأنظمة! سنجد شيئًا واحدًا يجمعهم، وإذا عُرف السبب، بطُل العجب!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار