بين الواجب والامتنان..الخدمات الصحية حق أصيل أم مِنّة تستوجب الشكر؟

في جولة مفاجئة لمستشفيات محافظة المنيا، تفاعل الدكتور خالد عبدالغفار، وزير الصحة المصري، مع شكاوى مرضى الغسيل الكلوي الذين عانوا من نقص التمريض وطول فترات الانتظار. لكن رد الوزير على أحد المرضى ــ “الدولة أنشأت هذه الوحدات المجهزة، ولم نسمع كلمة شكر حتى الآن” ــ أثار جدلاً واسعاً حول طبيعة العلاقة بين الحكومة والمواطن: هل الخدمات الصحية حق أصيل أم مِنّة تستوجب الشكر؟
تفاصيل الجدل: الحق مقابل الامتنان
خلال الحوار المباشر مع المرضى، عبّر الوزير عن استيائه من عدم تلقي “كلمة شكر” رغم إنشاء الدولة لوحدات الغسيل الكلوي. رَدّ المريض بجملة لاذعة تعكس إحباطاً جماعياً: “فاتتني دي معالي الوزير”، في إشارة إلى أن الحق في الرعاية الصحية لا يُمنّ به، بل هو واجب على الدولة.
هذا التصريح يُظهر ــ وفقاً لتحليلات حقوقية ــ فجوة في فهم طبيعة الخدمات العامة، حيث يُفترض أن تكون الدولة مُلزَمة بتوفيرها دون انتظار ثناء، خاصة في قطاع حيوي مثل الصحة، الذي يُعدّ حقاً دستورياً ينص عليه الدستور المصري (المادة 18) والمواثيق الدولية.
الإجراءات الحكومية: علاج الأعراض أم الجذور؟
أعلنت الوزارة إجراءات عاجلة عقب الزيارة، مثل مضاعفة التمريض وتسريع افتتاح مستشفى بني مزار. ورغم أهمية هذه الخطوات، يُطرح سؤال جوهري:
– هل يُمكن اعتبار حل أزمات مزمنة (كنقص التمريض) إنجازاً يُشكر عليه، أم أنه تصحيح لوضع قائم كان ينبغي ألا يحدث أصلاً؟
– لماذا تُقدَّم الإصلاحات الطارئة كـ”هدية” للحالات الطارئة، بينما تُهمل الاستثمارات الوقائية في البنية التحتية الصحية؟
“المادة 18 من الدستور تلزم الدولة بضمان جودة الخدمات الصحية للمواطنين، مما يجعل أي تقصير انتهاكاً للحقوق، وأي تصحيح له واجباً لا فضيلة”، “مطالبة المواطن بالشكر على أداء الواجب تُعيد إنتاج ثقافة الوصاية، وتُضعف مبدأ المحاسبة” – وان الامتنان مُوجَّه من الدولة للمواطنين عندما يلتزمون بدفع الضرائب، وليس العكس. التذمر من غياب الشكر يعكس خلطاً بين الأدوار.
ردود فعل على منصات السوشيال ميديا:
قال لحد المتابعين “نحن ندفع تكاليف العلاج حتى في المستشفيات الحكومية عبر التأمين الصحي. لماذا نُشكر من ينفذ واجبه؟”. بينما رأى مواطن آخر أن “الوزير ربما قصد التشجيع على الإيجابية، لكن العبارة خرجت بشكل خاطئ”.
الشكر لا يبني أنظمة.. والمحاسبة تُصلحها
الجدل الذي أثاره تصريح الوزير يُذكّر بأهمية الفصل بين “الخدمة العامة” و”المنّة”. فالحكومة ــ كطرف في عقد اجتماعي ــ مُلزَمة بتوفير الحد الأدنى من الرعاية، وعندما تُدارك تقصيراً، تكون بذلك تعيد الالتزام بالعقد، لا تمنح هبة.
التحدي الحقيقي ليس في تلقي الشكر، بل في بناء نظام صحي مستدام يُقلل من الحاجة إلى “الإجراءات العاجلة”، ويجعل زيارة الوزير للمستشفيات ــ رغم أهميتها ــ جزءاً من روتين المتابعة، لا حدثاً استثنائياً يُنتظر لسنوات.