الحسيني شاهين يكتب..قانون الإنتخابات و الفرص المهدرة

عندما دعا الرئيس السيسي قوى المعارضة المدنية إلى المشاركة في حوار وطني جامع، عاد الأمل إلى كثيرين من المهتمين بالشأن السياسي في مصر، بأن السلطة قد فطنت أخيرًا إلى ضرورة الاستماع إلى الآخرين، وأن الوضع السياسي المتجمِّد في مصر أصبح غير قابل للاستمرار.
ولم تتوانَ معظم القوى والأحزاب السياسية المدنية المحسوبة على المعارضة عن المشاركة في جميع الملفات، وكان على رأس هذه الملفات – والتي تهمّ هذه القوى والأحزاب بشكل مباشر – قوانين الانتخابات ومباشرة العمل السياسي.
وقد تم – على ما يبدو – توافقٌ مبدئي على تطوير نظام الانتخابات في مصر، وإدخال نظام القوائم النسبية في تشكيل المجالس النيابية، وأصبح هذا الملف من أهم مخرجات الحوار الوطني. لكن يبدو أن من بيده إخراج المشهد لم يقتنع بهذه المخرجات أو بغيرها، وقرر الإبقاء على نظام القوائم المغلقة، الذي يسمح بفوز قائمة واحدة فقط وهزيمة باقي القوائم، دون النظر إلى عدد الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة. وهذا – كما يعلم القارئ – يُهدر حقوق الناخبين في وجود من يمثلهم في المجالس النيابية، ويقوّض مبادئ التعددية السياسية، وفاعلية مجلس النواب كجهاز رقابي يمثل الشعب.
ندرك تمامًا أن السلطة تريد أن تظل مفاتيح كل شيء بيدها، ولا ترغب في فقدان السيطرة على السلطة التشريعية. لكن هذه السيطرة لا يمكن أن تدوم إلى الأبد، إذ لا يمكن، بأي حال من الأحوال، تحقيق وضع سياسي مستقر في ظل سياسة إقصائية شاملة لا يُسمع فيها إلا صوت واحد فقط.
وكعادة هذه السلطة، وبإصدار قانون انتخابات المجالس النيابية ٢٠٢٥. تم إضاعة العديد من الفرص ومنها:
١. الفرصة المهدرة الأولى: استمرار الحوار الوطني بين السلطة – أو من يمثلها – وبين قوى المعارضة. هذا الأمر انتهى تمامًا بعد أن أدركت هذه القوى أن مشاركتها لن تُفضي إلى شيء، وأن من يملك القرار الأخير لا تعنيه مخرجات أو توصيات أي حوار.
٢. الفرصة المهدرة الثانية: استقرار الوضع السياسي في مصر. أصبح هذا الاستقرار من المستحيلات بعد أن بدأت السلطة تسلك اتجاهًا، بينما تسير القوى السياسية المعبّرة عن شرائح واسعة من الشعب المصري في اتجاه آخر.
٣. الفرصة المهدرة الثالثة: تقوية الجبهة الداخلية لمواجهة التهديدات الخارجية. فلا شك أن التوافق السياسي الداخلي يدعم مواقف الدولة خارجيًا، خاصة في ظل تهديدات دولية وإقليمية الصعبة، وفي هذا التوقيت الحالي بالغ الحساسية.
٤. الفرصة المهدرة الرابعة: إعادة الأمل للشعب المصري في النظام السياسي للدولة. من الواضح لكل من يتابع الوضع السياسي منذ 2014، تزايد عزوف الناس عن المشاركة أو التفاعل مع الأحداث السياسية. وهذه نتيجة طبيعية لإصرار متخذ القرار على هندسة الانتخابات ونتائجها فى اتجاه واحد، حتى أصبح الشعب مقتنعًا تمامًا بعدم قدرته على الاختيار. وأسوأ ما قد تواجهه أي قيادة في أي دولة هو انعدام ثقة المواطن في النظام السياسي للدولة، مما يجعله فريسة سهلة لأي أفكار أو تحركات غير قانونية.
٥. الفرصة المهدرة الخامسة: عدم استقرار الوضع الاقتصادي في مصر. ربما يدرك البعض أن الاستقرار السياسي هو أساس الاستقرار الاقتصادي، ولكن يدرك الجميع أنه لا يمكن لدولة أن تنمو اقتصاديا وهي تجهل مستقبلها السياسي. فالاستقرار السياسي هو ما يفتح المجال للاستثمار والنمو الاقتصادي، وثقة المستثمرين داخليا وخارجيا في استقرار الأوضاع السياسية هي العامل الأهم لزيادة الاستثمارات وتحسين المؤشرات الاقتصادية.
هذه بعض الفرص – على سبيل المثال لا الحصر – التي لو لم تُهدر، لكانت خطوات إيجابية مهمة لتحسين الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مصر. لكنها، كما هو معتاد من هذه السلطة، قد أُهدرت.