شريف المصري يكتب : وهم الوحدة المذهبية حين تختلط الدماء بالمصالح

كثيراً ما نسمع أصواتاً تنادي بالوحدة بين المسلمين، وتدعو لتجاوز الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة، وكأنّ المشكلة مجرد سوء تفاهم عابر. لكن العودة إلى حقائق التاريخ تُظهر أن الخلاف لم يكن فكرياً فقط، بل تحوّل إلى سلاح طائفي دُفع ثمنه من دماء الأبرياء.
نبدأ من الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، حين ظهر فيلق “بدر”، وهو فصيل عراقي شيعي انقلب على وطنه، وانضم إلى صفوف الجيش الإيراني ضد بلده العراق، فقط بدافع المذهب والولاء العقائدي. منذ ذلك الوقت، بدأت ملامح الانقسام الطائفي المدعوم من إيران تتشكل بوضوح، لتغلب الولاء المذهبي على الانتماء الوطني.
ثم ننتقل إلى الداخل الإيراني، حيث المعاناة المستمرة للشعب الأحوازي المسلم السني، الذي يتعرض للاضطهاد والقمع من قبل نظام الملالي، فقط لأنه لا ينتمي للمذهب الشيعي الإثني عشري الحاكم. تُمنع الأحواز من أبسط حقوقها، وتُمحى هويتها الثقافية والدينية في صمت دولي وعربي مخزٍ.
ثم جاءت كارثة احتلال العراق عام 2003، حين تحالفت إيران مع الولايات المتحدة لتقاسم النفوذ والثروات، وبدأت مرحلة التمكين الطائفي بشكل علني. ظهرت المليشيات الشيعية المسلحة التي زرعتها إيران، وبدأت حملة منظمة لتصفية الوجود السني في العراق. مدن مثل الفلوجة، الرمادي، وتكريت، شهدت فظائع من قتل وتهجير وحرق للمساجد، في أبشع صور التطهير الطائفي تحت شعارات “الثأر” و”المظلومية”.
ثم انتقل المشروع الطائفي الإيراني إلى سوريا، حيث تحولت الثورة الشعبية السلمية إلى حرب دموية، تدخلت فيها ميليشيات طائفية مدعومة من إيران مثل حزب الله وفصائل عراقية ولبنانية، لحماية نظام طائفي ضد شعب غالبيته من السنة. تم تدمير مدن بكاملها مثل حلب والغوطة، وارتكبت مجازر في حمص وداريا، وهُجّر الملايين من بيوتهم، لا لشيء سوى أنهم سنة طالبوا بحريتهم وكرامتهم.
وهنا يظهر السؤال الصادم: أين كانت تلك الدعوات للوحدة الإسلامية آنذاك؟ أين كانت “الأخوة الإسلامية” حين كانت المساجد تُحرق، والمدن تُباد، والمواطن السني يُقتل فقط لهويته؟ لماذا لم نسمع نداءات الوحدة إلا بعد أن ضُربت إيران داخلياً، وبدأ الكيان الصهيوني يوجه ضربات دقيقة لمواقعها وأذرعها؟
الخطاب المذهبي حينها كان وقودًا لحروب أهلية، أما اليوم، وبعد أن ضعفت إيران، وأصبح مشروعها يتلقى الضربات، ظهرت فجأة لغة “الوحدة” و”الإخاء” و”الصف الواحد”، وكأن دماء الماضي بلا قيمة.
إذا كنا حقاً نبحث عن وحدة، فعلينا أن نبدأ بالصدق والمصارحة: لا وحدة تُبنى على القمع، ولا أخوة مع من جعل المذهب أداة للقتل والتمكين. الوحدة لا تصنعها الخطب بل تصنعها العدالة.