المرأة والإعلام الرقمي والزيادة السكانية: دور مزدوج في معركة الوعي

لم تعد قضية الزيادة السكانية مجرد رقم يتضخم سنويًا، بل تحولت إلى واحدة من أخطر التحديات التي تهدد التنمية في مجتمعاتنا العربية، وفي مصر بشكل خاص. ومع تسارع التطور التكنولوجي وهيمنة الإعلام الرقمي، بات من الضروري أن نعيد النظر في أدوار المؤسسات الإعلامية، خاصة في علاقتها بالمرأة، باعتبارها الطرف الأهم في معادلة النمو السكاني.
المرأة ليست فقط المتلقية الأولى للخطاب الإعلامي، بل هي صانعة الحياة، ومؤثرة مباشرة في قرارات الإنجاب، والتعليم، والصحة، والتربية. ومن هنا، يتحتم علينا أن نعيد صياغة الرسائل الرقمية التي تصل إليها، لا سيما عبر المنصات الأكثر انتشارًا مثل فيسبوك، وإنستغرام، وتيك توك.
للأسف، تهيمن على هذه المنصات في أحيان كثيرة محتويات تكرّس لأنماط استهلاكية أو صور نمطية للمرأة، بدلًا من تمكينها فكريًا ومجتمعيًا لاتخاذ قرارات أكثر وعيًا بشأن الأسرة والإنجاب. ولعل هذا الانفصال بين الخطاب الإعلامي الرسمي، وخطاب الإعلام الرقمي الشعبي، هو أحد أسباب فشل كثير من حملات التوعية السكانية.
نحن بحاجة إلى خطاب إعلامي رقمي جديد، يوجَّه للمرأة بلغتها، وبأدوات عصرها. خطاب يرى فيها شريكة في التنمية لا مجرد وسيلة لضبط النمو السكاني. محتوى يمكّنها، لا يخيفها. يُظهر لها أثر قراراتها على مستقبل أطفالها ومجتمعها، دون أن يحمّلها وحدها عبء التغيير.
ومن المهم أن يشارك في هذا الخطاب صناع المحتوى من النساء أنفسهن، ليقدمن تجاربهن، ويساهمن في بناء وعي جماعي نسائي مختلف، قائم على الاختيار لا الإملاء، وعلى المعرفة لا التلقين.
إن الإعلام الرقمي قد يكون السلاح الأخطر في يد المرأة لمواجهة الزيادة السكانية، إذا أُحسن استخدامه. وإذا أُهمل، فسيظل ناقلًا للرسائل المربكة، والدعوات العشوائية التي تكرّس للمشكلة بدلًا من أن تسهم في حلها.
وفي النهاية، فإن بناء وعي نسائي جديد في العالم الرقمي ليس ترفًا، بل هو ضرورة وجودية في معركة معقدة، تحتاج إلى أدوات جديدة، وعقول أكثر وعيًا




