تصلب شرايين النظام السياسي وحتمية توحيد المعارضة المدنية

يمكن تشخيص الحالة الراهنة للنظام السياسي في مصر بأنه يعاني من تصلب شرايين حاد، وصل إلى مرحلة تهدد بموته السريري. فالسلطة أصبحت متمركزة بالكامل في قبضة الأجهزة الأمنية، بينما غابت التعددية السياسية، وسُحق التمثيل الحقيقي لصوت المواطن.

غالبية أعضاء المجالس النيابية – المفترض أن يكونوا ممثلين للشعب – يُختارون بشكل مباشر أو غير مباشر عبر قوائم مغلقة مُعدة مسبقًا من داخل أجهزة الدولة. أما ما تبقى من المقاعد الفردية، فتُترك لصراع غير متكافئ تحكمه سطوة المال السياسي، ورشاوى انتخابية تُديرها أحزاب الموالاة، أو أحزاب خاضعة للسيطرة نفسها.

إننا إزاء مشهد سياسي فاقد للشرعية الشعبية، فارغ من التعددية، ولا يمثل الأحزاب ولا المواطنين. إنه نظام منغلق، يعيش في عزلة عن الشارع والمجتمع، ويبدو هذا النظام السياسي كمن يلفظ أنفاسه الأخيرة في غيبوبة طويلة الأمد.

لماذا على المعارضة المدنية أن تتحرك؟
قد يبدو غريبًا للبعض أن يكون الحل الوحيد لإنقاذ النظام السياسي – أو بالأحرى إنقاذ الدولة من اختناق سياسي محتوم – هو توحيد المعارضة المدنية. في الحقيقة، النظام السياسي لا يحيا إلا حين توجد قوى متقابلة، تتنافس على كسب ثقة الناس، وتخلق توازناً في السلطة. عندما ينفرد طرف واحد – كما هو الوضع الآن – بكل شيء، تتوقف الدورة السياسية، ويبدأ الانهيار.

المعارضة المدنية لا ينبغي أن تقف موقف المتفرج على موت السياسة في مصر. بل عليها أن تسعى لإنعاش النظام، لا من باب الإنقاذ المجاني، بل من باب إعادة خلق توازن طبيعي للحياة السياسية.

توحيد المعارضة ليس صداماً… بل رفضاً للاحتكار.
المطلوب من المعارضة المدنية اليوم ليس المواجهة المباشرة أو الصدام غير المجدي مع السلطة، بل توحيد جهودها في جبهة مدنية واسعة ترفض احتكار النظام السياسي. وتتفاعل بشكل واقعي مع جميع الاحداث السياسية. فكل نظام سياسي يحتكر فيه طرف واحد أدوات التعبير والمشاركة، هو نظام مريض بطبيعته، ويُهدد أمن واستقرار البلد على المدى الطويل.

توحيد المعارضة ليس إختياراً بل أصبح ضرورة حتمية لمواجهة الأختناق السياسي الحالي. قد يواجه تكتل او تحالف مثل هذا بمقاومة شديدة من أجهزة الدولة التى ترى في هذا الإختناق ضرورة مهمة للإستقرار. ولكن يجب أن يعلموا أن هذا الإختناق سيتبعه موت كامل للنظام السياسي ثم إنفجار لا أحد يعلم كيف سيصل مداه.

ربما يرى البعض أن السلطة الحالية قد تجاوزت مرحلة الإصلاح، لكن حتى في ظل هذا الواقع، فإن المعركة الحقيقية ليست مع السلطة، بل مع الجمود والانقسام داخل قوى التغيير نفسها. التى تقاوم هذا الأمر بسبب فقدان الثقة في نفسها او في الاحباط الشديد الذى اصابها أو في التكاسل وعدم الرغبة فى بذل أى جهود في هذا الاتجاه.

إن وحدة المجتمع المدني لا تعني التوافق التام في كل شيء، لكنها تعني احترامًا متبادلاً، ورغبة صادقة في استعادة السياسة، قبل أن تُدفن إلى الأبد. فإذا كان النظام السياسي يعاني من تصلب الشرايين، فالعلاج الوحيد الممكن الآن هو أن تعود قوى المجتمع المدني لتضخ الدماء في جسد الحياة السياسية من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!