مدحت الزاهد يكتب عن : لاهوت التحرير

 

التجديد الدينى يرتبط فى جوهره بتطور الصراع السياسى والاجتماعى وليس كما يفهمه البعض صراع نصوص وفتاوى وهكذا تطور لاهوت التحرير فى امريكا اللاتينية مواكبا لتطور الحركات الاجتماعية والسياسية والصراع من اجل العدالة الاجتماعية والحريات.

هو القراءة الثورية للمسيحية التى ارتبطت بالصراع الاجتماعى والسياسى ومن خلالها أعاد بعض آباء الكنيسة الكاثوليكية قراءة المسيحية لمصلحة الفقراء لتوسيع مجال الإيمان، بحيث يشمل المسئولية تجاه الواقع وتغييره، من خلال مفاهيم تؤكد على أن “الخلاص لا يكون بالتحرر من الخطايا فقط، بل من كل أشكال الظلم والقهر والحرمان.

وانتشر “لاهوت التحرير” في معظم مناطق أمريكا اللاتينية وقساوسته مثل “ليوناردو بوف” في البرازيل، و”خافيير جورستياجا” في نيكاراجوا و”بابلو ريتشاردز” في شيلي، و”أوتومادور” في فنزويلا، و”خوان لويزسيجوندو” في أورجواي، …، لكن كانت هناك أعلام بارزة لحركة لاهوت التحرير ويعتبرهم الكثيرون بمثابة الآباء المؤسسين للاهوت التحرير، وعلى رأس هؤلاء يأتي القس الكولومبي “كاميللو توريس”، ورغم أنه كان ينتمي في بدايته لأسرة عريقة وثرية في بوجوتا العاصمة، وتعلم في أوروبا ونال من بلجيكا الدكتوراه في علم الاجتماع، فإنه انقلب فكريًا تمامًا بعد الدراسات الميدانية التي أجراها لحياة الفقراء خاصة في الريف الكولومبي فأصبح ثوريًا وشكل سنة 1965 “الجبهة الواسعة” وهو تحالف سياسي يسعى للاستجابة لمتطلبات غالبية أهالي بلاده؛ فكانت النتيجة طرده من الحياة السياسية والدينية أيضًا،

والإضافة الكبرى التي قدمها كاميللو توريس هي “تثوير المسيحية” أو قراءتها قراءة ثورية؛ فقد قام ببحث عميق لمعنى الحب المسيحي، وأعاد صياغة مفهومه ليحوله من كونه شعورًا فرديًا عاطفيًا ليصبح عملية اجتماعية تتضمن معاني الزهد والتضحية والتعاطف مع الضعفاء والفقراء والمحتاجين.

ورغم اغتيال “توريس” في عام 1966، فإنه ظل رمزًا لما أصبح يعرف بالكنيسة التقدمية نظرًا لوعيه السياسي وعاطفته المتأججة التى حولت مفهوم الحب المسيحي إلى ثورة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، فعلى ضوء المفاهيم التي صاغها كاميللو توريس تكونت جماعات كاثوليكية في كل مناطق الريف اللاتينية لعبت كلها دورًا بارزًا في المجالات الخدمية والإنسانية للفقراء.

وبجانب توريس يقف الأب “جوستافو جوتييرز” في بيرو كأحد أهم مؤسسي حركة لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية، فقد استطاع بكتاباته خاصة كتاب (رب الحياة) صياغة المفاهيم والأفكار الرئيسية للاهوت التحرير، والمحور الأساسي فيها هو اعتبار “المسيح هو مسيح الفقراء ومسيح المضطهدين، ومسيح الحرية…”.

وفى السلفادور كان “أوسكار روميرو” كبير الأساقفة الراحل ، أكثر آباء الكنيسة انحيازًا للفقراء، وكان أول من أعلن ذلك صراحة، وأعلن معارضته لحكومة بلادة الديكتاتورية التي وصفها بالدموية والعداء للفقراء، وكان من أبرز معارضي الهيمنة الأمريكية بالمنطقة، وقد وضع عدة مؤلفات تعد الأساس الفعلي لحركة لاهوت التحرير، أهمها كتاب (عنف الحب) و(صوت من لا صوت لهم) الذي صار فيما بعد عنوانًا لسلسلة الكتب التي تعبر عن فكر وتوجيهات هذه الحركة. ولم يطبع هذان الكتابان إلا بعد رحيل روميرو بأكثر من عشر سنوات. وله كتاب (رسالة الأمل من أحد الشهداء)، وهو عبارة عن شرائط كانت تحمل تسجيلاته، إضافة إلى كتابه (أوقفوا الاضطهاد).

وقد استمر روميرو في دعوته إلى أفكاره المناصرة للفقراء والمستضعفين والرافضة لهيمنة الأغنياء حتى قتل في أوائل الثمانينيات، واتهمت حكومة السلفادور وقتها الثوار اليساريين بقتله، لكن ثبت بعدها أن المسئول عن اغتياله (كتائب الموت) التي كانت تابعة للشرطة والجيش السلفادوري، التي كانت مختصة بالتخلص من أعداء النظام، كما ثبت أيضًا تورط المخابرات المركزية الأمريكية في هذه العملية الشائنة!

و بلغت مكانة روميرو أن اعتبر جوستافو جوتييرز في كلمة ألقاها في الذكرى الخامسة عشرة لاغتياله “أن موت الأسقف” روميرو “يمثل نقطة فاصلة في تاريخ الكنيسة بأمريكا اللاتينية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار