مأساة أنقرة وتمديد الوجود العسكري.. هل دفع “الحداد” ثمن “السيادة”؟

في غضون 48 ساعة فقط، شهد المشهد الليبي التركي تحولات دراماتيكية بدأت في أروقة البرلمان التركي وانتهت بكارثة جوية في سماء أنقرة. بينما كان المشرعون الأتراك يقرون تمديد بقاء قواتهم في غرب ليبيا لمدة عامين إضافيين، كانت طائرة رئيس أركان الجيش الليبي (حكومة الوحدة الوطنية) تسقط لتنهي حياة أحد أبرز المنادين بتوحيد المؤسسة العسكرية وإخراج القوات الأجنبية.
1. التمديد التركي: فرض أمر واقع (22 ديسمبر 2025)
صوّت البرلمان التركي في 22 ديسمبر 2025 على تمديد مهام القوات العسكرية التركية في ليبيا لـ 24 شهراً إضافية، تبدأ من يناير 2026. هذا القرار جاء في وقت حساس تسعى فيه ليبيا للخروج من حالة الانقسام، مما اعتبره مراقبون ترسيخاً للوجود العسكري التركي طويل الأمد في المنطقة.
2. مقتل الحداد: لغز “العودة الأخيرة” (23 ديسمبر 2025)
بعد يوم واحد من قرار البرلمان، وتحديداً في مساء 23 ديسمبر 2025، سقطت طائرة من طراز “فالكون 50” في منطقة “هايمانا” بالقرب من أنقرة بعد إقلاعها بوقت قصير. كانت الطائرة تقل الفريق محمد الحداد ووفداً عسكرياً رفيعاً (يضم رئيس أركان القوات البرية ومدير جهاز التصنيع العسكري) في طريق عودتهم إلى طرابلس بعد مهمة رسمية.
3. التقاطع المثير للجدل: هل كان الحادث مدبراً؟
رغم إعلان السلطات التركية عن “عطل فني في نظام الكهرباء” وطلب الطائرة هبوطاً اضطرارياً قبل تحطمها، إلا أن الربط بين مواقف الحداد وتوقيت الحادث يثير تساؤلات سياسية عميقة:
الموقف من القوات الأجنبية: عُرف الفريق الحداد بمواقفه الصارمة داخل اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، حيث كان يكرر دائماً أن “السيادة الليبية لن تكتمل إلا بخروج كافة القوات الأجنبية والمرتزقة”، وهو موقف قد يتعارض مع “استراتيجية التمديد” التي أقرتها تركيا مؤخراً.
مشروع توحيد الجيش: كان الحداد يقود تقارباً نادراً مع رئاسة الأركان في المنطقة الشرقية، بهدف بناء مؤسسة عسكرية موحدة بعيدة عن التجاذبات الدولية، وهو ما يراه البعض تهديداً لنفوذ القوى الإقليمية التي تعتمد على استمرار الانقسام لضمان وجودها العسكري.
توقيت التصفية (الافتراضي): إن وقوع الحادث فور انتهاء مباحثات في أنقرة تزامنت مع “التمديد التشريعي” يفتح الباب أمام فرضية أن الحداد ربما أبدى اعتراضات فنية أو سياسية على شكل الوجود العسكري القادم، أو أن مساعيه لتقليص الاعتماد على الخارج بدأت تخرج عن السيطرة المرسومة لها.
ختاما، بينما تشير التحقيقات الأولية إلى حادث تقني، يظل مقتل الفريق محمد الحداد ومرافقيه خسارة استراتيجية لمشروع “ليبية الحل”. إن غياب الشخصية العسكرية التي كانت تحاول الموازنة بين “الواقع التركي” و”الحلم السيادي” في هذا التوقيت بالذات، قد يمهد الطريق لمرحلة جديدة من التدخل العسكري الأجنبي الأكثر تجذراً في ليبيا.




