د. فاطمة الزهراء تكتب : أسباب تفاقم البطالة في الجزائر

حسب الإحصائيات التي نشرها الديوان الجزائري للإحصائيات، فإن نسبة البطالة ارتفعت الى ما فوق عتبة 12.5 % شهر جويلية الماضي، مقابل 9.5 % شهر أفريل ، ما يمثل 3 % ارتفاعا للبطالة في 3 أشهر، وهي أرقام تناقض الخطاب الرسمي الذي يقر بانتعاش سوق العمل .

و قد زاد امتداد الأزمة المالية في الجزائر للسنة الرابعة على التوالي ، من انكماش الاقتصاد، بفعل تراجع مداخيل البلاد من بيع النفط إلى أكثر من الثلثين، ما أدى إلى تجميد العديد من المشاريع وتجميد عمليات التوظيف في القطاعين العمومي والخاص، وضع ألقى بظلاله على البطالة في البلاد.

وتترجم نسبة البطالة التي كشف عنها الديوان الجزائري للإحصائيات عدد العاطلين عن العمل البالغ 2.5 مليون شخص، في حين بلغ عدد السكان الناشطين أي الذين بلغوا سن العمل والمتوفرين في سوق العمل سواء كانوا حاصلين على عمل أو عاطلين في إبريل الماضي 2019 نحو12.2 مليون شخص مقابل 11.932 مليونا عند مطلع السنة.

وبلغ عدد الجزائريين العاملين 10 ملايين شخص في جويلية و منتصف أوت 2019 ، منهم أكثر من 8 ملايين رجل ما يعادل81.1 في المائة وأكثر من مليوني امرأة أي 18.9% في المائة.

والملاحظ حسب عملية المسح التي قام بها الديوان الجزائري للإحصائيات فإن نسبة البطالة ارتفعت عند الرجال إلى 10 % مقابل 9 % في المائة شهر إبريل الماضي، في حين بقيت هذه النسبة مستقرة تقريبا عند النساء عند 16.5% .

ولا يزال القطاع الخاص أكثر تشغيلا في البلاد، حيث يُشغل 6.33 ملايين عامل أي 58 في المائة مقابل 4.56 ملايين شخص ما يعادل 42 % من السكان العاملين، وحسب التقسيم الجغرافي يشتغل 7.33 ملايين شخص في الأوساط الحضرية مقابل 3.56 ملايين في الأوساط الريفية.

وحسب القطاعات تتصدر التجارة والخدمات أكبر المشغلين في الجزائر بـ 61.7 % من السكان الناشطين ، يليها قطاع البناء والأشغال العمومية بـ 16.6 % والصناعة بـ13% ثم أخيرا الفلاحة بـ 8.7 %.

وكثيرا ما يشكك المراقبون للشؤون الاقتصادية في أرقام البطالة التي تعلن عنها الحكومة الجزائرية عن طريق هيئاتها المختلفة، لأنها حسب الكثير لا تتطابق مع الواقع، فيكفي أن تتجول في كبريات المدن وحتى في القرى لتقف على حجم شبح البطالة الهائل و المخيف الذي خيم على البلاد.

إن أرقام البطالة في الجزائر دائما تكون سياسية أكثر منها واقعية، كما أن طريقة احتسابها من طرف ديوان الإحصائيات تشوبها الكثير من نقاط الظل المبهمة ! فمثلا يعتبر الديوان “غير بطال” كل شخص اشتغل ولو ليومٍ واحدٍ في السنة، أي أن المعلومات غير دقيقة، كما لا يحتسب الديوان النساء المقيمات في البيت والمؤهلات للعمل.

وقلما غادرت البطالة واجهة الأحداث في الجزائر في العقدين الأخيرين، وظلت ورقة سياسية تستعملها الحكومة من جهة والمعارضة من جهة أخرى، فيما يجمع المراقبون على أن الأسباب الحقيقية وراء انتشارها مرتبطة بأمور عدة منها السياسية والاقتصادية وحتى البيداغوجية والتكوين في الجامعات.

إن البطالة في الجزائر مردها كذلك إلى أسباب أخرى رئيسية أولها حجم القطاع الإنتاجي في البلاد، فالجزائر تحوز على 700 ألف شركة صغيرة ومتوسطة و500 شركة كبرى، في حين بلد بحجم الجزائر يحتاج إلى 1.5 مليون شركة صغيرة ومتوسطة و5 ألاف شركة كبرى لكي تمتص على الأقل 75 % من البطالة.

و الملاحظ أنه منذ أربعة عقود والحكومات المتعاقبة تسعى لتشجيع الاقتصاد خارج المحروقات، لكنها فضلت التركيز على البنى التحتية عوض تشجيع الاستثمارات الإنتاجية، ففي السنوات الـ14 الماضية شكلت المشاريع في قطاع الصناعة 12% من جل المشاريع المسجلة عند الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار.

وعن السبب الثاني لتفاقم البطالة في الجزائر إنه يكمن في اختلال العلاقة بين التكوين الجامعي والمهني ومتطلبات سوق العمل ، فالجهاز التكويني عرف العديد من التحولات التي لم يكن لها علاقة مع سوق التشغيل، حيث تم التركيز على العلوم الإنسانية في حين تدير لها سوق التشغيل ظهرها، هناك قطاعات تعرف طلبا كبيرا على اليد العاملة لكن الجامعات ومراكز التكوين لم تنجح في تلبية هذا الطلب المتزايد مثل الزراعة والأشغال العمومية.

أما السبب الأخير فيمكنني تلخيصه في طريقة علاج مشكل البطالة، ففي كل مرة تحاول فيها الحكومات المتتالية حل مشكل البطالة، تقع في نفس الخطأ وهو محاولة حل المشاكل بطريقة منعزلة دون الإلمام بكافة جوانب مشاكل البطالة .

و نتوقع أن تشهد الأشهر القادمة ارتفاع البطالة أكثر لسببين، الأول متعلق بتواصل انكماش الاقتصاد، والثاني دخول الشركات التي يملكها رجال الأعمال المسجونين في دوامة الجمود بسبب التجميد التحفظي لأرصدتها البنكية بالرغم أن الحكومة المؤقتة صرحت أنها تسعى لإيجاد آليات لاستمرارو مواصلة عمل هذه المؤسسات .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار