من يشعل الحرائق فى بر مصر
فى وقت تزداد فيه المصاعب المعيشية الحياتية للمصريين بشكل غير مسبوق بسبب استمرار التضخم العالى واستمرار الانخفاض غير المسبوق لسعر صرف الجنيه المصرى ، واستمرار سياسات الخصخصة الحكومية وانسحاب الحكومة المتواصل من الخدمات الاجتماعية صحية وتعليمية وغيرها ، وتحويل ماتبقى منها من الطابع الاجتماعى للطابع التجارى ، وفى ظل أوضاع اقليمية ملتهبة وشديدة الخطورة آخرها احداث سوريا الدرامية التى تمخضت عن وصول قوى ذات خلفية دينية سلفية جهادية للسلطة وتزايد مخاطر التدخلات الخارجية والانقسامات الطائفية فى هذا القطر المحورى فى القلب العربى بكل مايمثله ذلك من انعكاسات وارتدادات خطيرة محتملة ، نفاجئ فى مصر بمشروعات قوانين ، والاعلان عن سياسات جديدة مثيرة للجدل ، بل تحظى برفض مجتمعى واسع ، لتجاوزها كل الخطوط الحمراء لانقول للعدالة الاجتماعية بل حتى للحماية الاحتماعية بالحد الأدنى المقبول ، وتصل لدرجة تهديد الأمن المجتمعى والقوى ارتباطا بانعكاساتها المحتملة شديدة الخطورة على الاستقرار والأمن القومى المصرى ذاته فى تلك الظروف شديدة الحساسية . والمثير للغاية أن تلك القنابل الموجودة لاتأتي فرادى بل تأتى متزامنة وبالجملة مما يثير أشد الاستغراب لغياب الحس السياسى وافتقاد المسؤولية الاجتماعية لدى الأشخاص الذين يديرون هذا المشهد والذين يبدون منعزلين انعزالا كاملا عن واقع المجتمع المصرى وعن الإدراك بمخاطر مايروجون له من تشربعات وسياسات . وفى كل الأحوال تتم تلك الخطوات بمعزل كامل عن القوى المجتمعية الممثلة لمختلف الشرائح المليونية المرتبطة بتلك الخطوات أو آراء غالبية الخبراء ، وبالتناقض مع كل استطلاعات الراى المتوفرة لدينا . ومن أهم تلك القضايا الملتهبة التى تمثل بدون شك خطوطا حمراء يمثل تجاوزها خطورة كبيرة على الأمن المجتمعى والقومى قضية الدعم السلعى وفى المقدمة دعم الخبز تحت مسمى إلغاء الدعم العينى والتحول للدعم النقدى ، وهو الأمر الذى يمس كل فقراء مصر الذين ارتفعت نسبتهم بالتأكيد لما يتجاوز ماهو معلن عنه ويزيد بالفعل عن ٣٠ فى المئة من السكان ، وقضية قانون الايجار القديم الذى يمس بشكل مباشر حوالى ١٥ مليون مواطن سكنى وتجارى ، وبشكل غير مباشر عموم الوضع فى سوق الإسكان وفى مجال الإنتاج والخدمات وتكاليفها واسعارها . وقد انضمت لتلك القضايا الساخنة الخطيرة قضية أخرى جديدة تمس القطاع الطبى بأكمله تحت مسمى ” قانون المسؤولية الطبية ” وهو مشروع قانون تمت صياغة بنوده بمعزل عن نقابة الأطباء ، ويهدد عموم الأطباء بعقوبة الحبس للأخطاء الطبية ، بمعايير خارج ماهو متعارف عليه فى دول العالم التى. تراعى فيها التشريعات الطبيعة الخاصة للخدمة الطبية وماتنطوى عليه من مخاطر ، أيضا هذا التشريع الجديد المرفوض لسلسلة تشريعات تسير فى سياق خصخصة الطب وتأجير المستشفيات للقطاع الخاص مصرى وأجنبي، وزيادة تسعيرة الخدمة الطبية فيما تبقى من مستشفيات حكومية . ومما لاشك فيه أن صوت العقل يقضى بالمراجعة الفورية لتلك السياسات شديدة الخطورة على بلادنا فى تلك اللحظة الحرجة للغاية تجنبا لاشتعال حرائق لايرغب بها أى عاقل ، لكن لايأبه بها للأسف مشعلو الحرائق المشار إليهم .