حسام عيسى يكتب..المشاركة الانتخابية من أجل بناء الجمهورية الجديدة

” السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التي تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافئ المواطنين “، ذلك ما نصت عليه المادة الرابعة من الدستور المصري عام 2014، وبالتالي فالمواطن المصري عليه عدد من الالتزامات تجاه وطنه، فلابد من المشاركة في جميع المراحل الانتخابية هي الخطوة الأولى تجاه صون المجتمع وحمايته داخليًا، فلابد للمواطن أن يدرك بعض الأسس والقواعد إبان مشاركته الانتخابية، ألا وهي أنه ينيب عنه حاكم لحماية 110 مليون وصون مقدرات الوطن، لذا فنحن لا نتحدث عن مشاركة فقط بل عن ” التنوير”، والذي ينبثق عنه ” التنشئة السياسية”.
لقد أكد العالم ” راتزال” في كتابه ( أسس الجغرافيا 1897) أن لقوة الدولة 7 خصال، أولها: التجانس البشري، وهذا تحديدًا ما نص عليه الدستور المصري، فلابد من الارتباط الفكري بين المواطنين لدرجة أن الاختلاف لا يؤثر على العقيدة، ليس هذا فحسب بل يجب معرفة واجبات المواطن وواجبات المجتمع؛ لأنها أساسيات منح القوة للدولة، وفي كتابه ( العقد الاجتماعي) أكد ” جاك جان روسو” أن مدى التزام المجتمع وثقافته يؤثر على الدولة بشكل قوي من أجل وحدته- مثلما نص عليه الدستور المصري-، لذا فعلى المجتمع أن يكون هُوية حضارية تعبر عن مصر.
إن الانتخابات هي عبارة عن ميدان حرب مجتمع مدني، وعدم المشاركة السياسية خيانة للذات والمجتمع والدولة، وهو بالضبط مثل خيانة الجندي الذي يترك سلاحه في الحرب. إن قوة الدولة بقوة شعبها، والسلاح الرئيسي للدول الناشئة هو الوعي والإدراك، فنظام الحكم يُعبر عنه حسب النضوج السياسي للمجتمع وليس مفروض عليه، أي أنه على الشعب حماية الحدود الداخلية للوطن وتجانسة و وحدتة، أما الحدود الخارجية فهي مؤمنة من قبل الجيش، فالمشاركة تُعد قوة للنظام السياسي، وهي أساس وواجب والتزام بدلًا من ترك الساحة الداخلية لأعداء يتلاعبون بها.
وعلينا أن ندرك بأن قوة الدول وقوة شرعيتها في القوة الانتخابية ومدى المشاركة، أي التعبير الصريح عن مدى إيمان المواطن بالنظام السياسي أو الرئيس أو البرلمان؛ مما يعطي قوة لمتخذ القرار من أجل التصدي للتحديات والتي قد تؤثر على شعبيته، مثال: القرارت المتخذة من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي تبرز أنه يبحث عن مصلحة الدولة وليس عن ذاته. وقد قالت “ميركل”
المستشارة الألمانية السابقة بعد صدور بحث في مركز بفرانكفورت بألمانيا عن يوم التفويض 26-7-2013، أن هناك ديمقراطية أخرى غير الصندوق، ألا وهي ” ديمقراطية الشارع”. لقد قدم الشعب المصري يوم التفويض رسالة تفيد بأن ” السيسي” هو زعيمها ورئيسها وبأنه رجل المرحلة بمحددات وأسباب لا يعلمها سوى الشعب المصري خلال تلك المرحلة، وقد أظهر الشعب المصري حالة من النضوج السياسي وتأييده لقرارات النظام المصري في هذا الوقت الراهن رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد؛ من أجل حماية حدود دولته ، والحفاظ على سلامة أراضيه وبقاء الدولة المصرية.
لذا، فعلى المواطن المصري أثناء ذهابه إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بصوته لابد من معرفته بخمسة عناصر أساسية، وهي كالآتي:
1-    معرفة نظام الحكم المصري والإيمان بأنه نابع من المجتمع وعدم مقارنته بنظام آخر، وإذا كان النظام به حالة من القصور، فعلى المواطن أن يصلحه أو يغيره ويتفادى سيبرانية الفكر، ففي كتابه ( إبستمولوجيا المعرفة عام 2013) للكاتب ” نصر محمد عارف” أكد أنه يستحيل بل يصعب انتقال حكم من دولة إلى دولة. فلا يصح نقل النظام الأمريكي مثلًا إلى مصر؛ لاختلاف العادات والتقاليد، وأيضًا ” هانز هيرمان هوبا” في كتابه ( الديمقراطية الإله الذي فشل) يقول: أن أفضل الديمقراطيات من يدفعها الأغلبية وتكون مقبولة عند الأقلية، وأسرد حديثه أن الديمقراطية مختلفة في العالم الغربي ما بين ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وأمريكا فكيف تطبق عليها نظام حكم واحد. وعلى سبيل المثال: وصلت فرنسا لنظامها الديمقراطي من خلال خمس جمهوريات على عكس الولايات المتحدة الأمريكية.
2-    الإلمام بدوافع الدول ومحركاتها، حيث أكد الباحث ” ريتشارد نيد ليبو” في كتابه ( لماذا تحارب الأمم؟)، أن الحرب من أجل المال والاقتصاد، وأن الدول تعمل من أجل الاقتصاد والتنمية؛ لذا فالدافع الاقتصادي هو أساس محرك الدول. إن التنمية تبدأ من الحرية السياسية أي حرية القرار السياسي، فمثلًا: ما يحدث إبان تلك الفترة في مصر من وجود تحديات خطيرة عليها؛ لسلب إرادتها والعمل على توجيهها من أجل مصالح الدول الكبرى، لكن تقف مصر دون حدوث ذلك و السعي من الخروج من التبعية الأمريكية.
3-    الإدراك بأسس العلاقات الدولية، بناء على ( النظرية الواقعية) للعالم ” جون ميرشايمر” أقر بأن العالم يسوده قانون القوة، أي أن القوي هو الذي يفرض القانون الخاص به، وقوة الدولة تأتي من
قوة  شعبها في عالم لا يعرف حرام أوممنوع ، ومثال على ذلك: ما يحدث اليوم من أمريكا وإسرائيل تجاه فلسطين، فهم فرضوا القوة بحجة الدفاع عن النفس، لكنهم في الحقيقة كاذبين وضد الإنسانية، وأن الأمم المتحدة ما هي إلا أداة في يد الولايات المتحدة. لذا من المهم جدًا أن تتسلح الدولة بقوتين: قوة المجتمع وقوة الجيش، وقد شرع الرئيس السيسي في 2014 برفع قدرات الجيش المصري ووصوله إلى المرتبة التاسعة عالميًا، و شرائه الرافال والميسترال والغواصات، ولولا قوة الجيش المصري لم نكن نقدر على وضع الخط الأحمر في سرت- الجفرة على عمق 1000 كيلو بليبيا؛ لتأمين أمنها القومي، وهذا يحسب للإدارة المصرية التي تدعم الشعب الفلسطيني ضد إسرائيل، وكذلك تسعى لحل المشكلة السودانية، وهذا ما يعرف ب” العمق الاستراتيجي”.
4-   العلم بالمحددات الخارجية للدول، وفي كتابه ( أسس العلاقات الدولية) قال ” إسماعيل صبري مقلد” أن البيئة الخارجية تؤثر على السياسة الداخلية للدول، وهذا بالفعل واضح تمامًا، فمثلًا: لا تزال مصر في معاناة منذ كورونا٢0١٩، ثم الأزمة الروسية- الأوكرانية تلاه الحرب على غزة، إلى جانب رفع الولايات المتحدة الفائدة على الدولار من صفر إلى 5% كي تبقى على هيمنتها وسيطرتها. ولذلك لا بد من إدراك المواطن لحجم التحديات حتى يتمكن من الحكم على تحركات الدولة إذا كانت في مسارها الصحيح أم لا، ويعد مقارنة مصر بألمانيا واليابان خطأً جسيما، حيث قدمت أمريكا دعمًا لألمانيا من خلال مشروع مارشال الاقتصادي خلال 20 سنة منذ 1945 حتى 1965 بتكلفة وصلت أكثر من 200 مليار دولار، حتى استطاعت ألمانيا أن تصل إلى ما هي عليه ان، ولكن في المقابل فرض على مصر حصار اقتصادي عام 1956، أيضًا تم تعويض اليابان عقب القصف النووي، وحدث تكامل اقتصادي بينها وبين الولايات المتحدة التي لا تزال تحمي كلتا الدولتين بقوة عسكرية عددها 50 ألف جندي لكلًا منهم.
5-  الفهم العميق لاستراتيجية الأولويات، ففي كتاب ” هاري أر جاريز” المعنون ب( الاستراتيجيات ومحترفوا الأمن القومي)، أكد أن المحرك الأساسي للدولة هو البقاء، أي الحفاظ على حدود الدول ثم الاستقرار ومن ثم التنمية، لذلك لابد من الحفاظ على بقاء الدولة والحفاظ على ثرواتها بالقوة العسكرية ثم القوة البشرية، فعلى سبيل المثال: نجد أن مصر قامت بشراء أسلحة حديثة ورفعت من قدراتها العسكرية؛ حتى أصبحت قادرة أن تدافع عن حدودها ولولا ذلك لشرعت إسرائيل في مخططها بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
فمن الممكن إرثاء نظام سياسي جديد على أساس ديمقراطي أو نظام مالي، لكن لابد من معرفة أن قوة هذه الأنظمة تأتي من قوة الشعب وثقافته. إن قوة الدولة من قوة شعبها أي بمدى إيمان المواطن المصري بحنكة القيادة المصرية في إدارة الدولة.
لذا وجب على المواطن المصري بناء هويته الخاصة و التي دعى اليها العالم كلود دوبار في كتابة ازمة الهوية، و التي أكد فيه ان بناء هويه الدولة تبدأ من بناء هويه المواطن، و ان هويه المواطن تتكون من الثقافة المستقلة الرصينة الموثقة.
كما اوضح العالم نيكولا انوف في كتابة عالم من صنعنا، كيف يبني الفرد مجتمع قادر على التصدي للتحديات التي تفرضها الدول الكبرى على الدول الناشئة، وكيف يقدر على بناء هويه حضارية تعبر عن ثقافته و احلامه و طموحاته.
و أكد العالم كار بوبر في كتابه المجتمع المفتوح و أعداءه، أن المجتمع هو مصدر قوة الدولة و أن ترابط المجتمع و تلاحمه مع النظام السياسي هو السبيل الى قهر تحديات التي تفرضها الدول الكبرى.
و من خلال هذا السرد:-
أن المواطن ملزم بالمشاركة الانتخابية، و واجب علية أن يدرك المحاور الخمسة المحددة لنظام الدولة، كما أن المجتمع علية بناء هويه حضارية متلاحمة مع نظامها السياسي لكي تستطيع الدولة أن يكون لديها حرية الارادة السياسية كي تستطيع أن تقدر على تنمية المجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار