د. كريمة الحفناوي تكتب..السياسات الحكومية والمطالب العمالية

من المعروف أن بلادنا تعانى من أزمات اقتصادية حادة، تصاعدت باتباع الحكومة لسياسة القروض من صندوق النقد الدولى،. منذ سياسة الانفتاح الاقتصادى، فى منتصف سبعينيات القرن الماضى، والبدء فى القروض من صندوق النقد الدولى، وبالتالى الخضوع لشروط الصندوق فى القضاء على المشروعات الإنتاجية، والتوسع فى سياسة الاستيراد، وتقليص الدعم، والخدمات المقدمة للطبقات الفقيرة بل والمتوسطة أيضا، بجانب تعويم الجنية والذى ازداد فى السنوات الأخيرة منذ 2016، مما تسبب فى تخفيض قيمة العملة المصرية أمام الدولار عدة مرات والتى وصلت ذروتها إلى مايقرب من 50 جنيها للدولار عامى 2023، و2024 مع زيادة التضخم الذى وصل متوسطه إلى أكثر من 30%، بالإضافة إلى زيادة والضرائب غير المباشرة، ورسوم الخدمات، والتى تقع على عاتق جميع فئات الشعب المصرى وغالبيته.
ومن ضمن الشروط أيضا تقليص العمالة المصرية ،وخصخصة شركات القطاع العام وقطاع الأعمال، وبيع أصول الدولة المصرية للمستثميرين الأجانب، (وهى ملكية عامة للشعب المصرى لايمكن التفريط فيها وفقا للدستور المصرى) مما يهدد الأمن القومى المصرى فى الغذاء والدواء، وتكون نتيجة الخصخصة والبيع طوابير من المتعطلين وزيادة البطالة مما يؤدى إلى عدم استقرار المجتمع.
وعلى جانب آخر نجد أن تخفيض الدعم أدى إلى زيادة أسعار السلع الضرورية من غذاء ودواء ومواصلات وارتفاع فاتورة الانتقالات والكهرباء والمياه والمواد البترولية.
وفى الفترة الأخيرة تم التصديق على قانون منح التزام المرافق العامة لإنشاء وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية والذى يسمح بتأجير المستشفيات الحكومية للمستثمرين سواء عرب أو أجانب!! (والتى هى حائط الصد الأخير لمعالجة غالبية الشعب الفقير)، ويعطى القانون الحق للمستأجر فى الاستغناء عن 75% من العمالة الموجودة، وأقل ما يقال عن هذا هو تهديد الأمن القومى الصحى المصرى وزيادة البطالة، وعلى حساب حق المواطن فى الصحة، والذى هو حق من حقوق الإنسان.
وسط هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، ووسط ظروف عمل غير لائقة وغير آمنة بعقود عمل مؤقتة (لإمكان التخلص من العمال فى أى وقت)، بجانب عدم توافر بيئة عمل آمنة، تضمن السلامة والصحة المهنية، وتضمن عدم التمييز بين المرأة والرجل فى العمل، من حيث التعيين والترقى والأجر كما تضمن عدم تشغيل الأطفال، وتضمن حد أدنى للأجور عادل، يكفى الاحتياجات الضرورية للعامل وأسرته، بالإضافة لعدم تمتع العمالة غير المنتظمة بأى ضمانات اجتماعية.
ونتيجة لهذه الظروف المعيشية الصعبة، عقدت دار الخدمات النقابية والعمالية على مدى الأسبوعين الماضيين (النصف الأول منشهر يوليو 2024)، حلقات نقاشية حول رؤية العمال للسياسات الحكومية، ومطالبهم من الحكومة الجديدة، وذلك بالتعاون مع لجنة الدفاع عن الحريات النقابية وحقوق العمال، واتحاد تضامن نقابات العمال، وبحضورحشد من ممثلى النقابات العمالية المستقلة وممثلى أمانات العمال لعدد من الأحزاب السياسية.
وحول هذا النقاش والحوار الذى تطرق إلى ما يعانيه العمال من مشاكل، وإلى مطالب العمال فى المرحلة القادمة، سألخص فى السطور التالية ما جاء فى التقرير الذى نتج عن هذه الجلسات تحت 6 عناوين رئيسية الحد الأدنى للأجور، و العمالة غير المنتظمة،.وغياب التنظيم النقابى، والحريات النقابية، والمفاوضة الجماعية، والمطالب العمالية.
أولا: بالنسبة للحد الأدنى للأجور، والذى يبلغ 6000 جنيها وفقا للقرار 27 لعام 2024، لم يُلزِم القطاع الخاص، حيث أعطى للقطاع الخاص التقدم بطلب استثناء من تطبيقه، عند التعرض لظروف اقتصادية صعبة، يتعذر معها صرف الحد الأدنى، بجانب إستثناء المنشآت متناهية الصغر التى يعمل بها 10 عمال فأقل من تطبيق القرار، وللعلم معظم شركات القطاع الخاص عدد العمال بها يقل عن عشرة عمال. ولأن الحكومة تنحاز إلى صاحب العمل وليس للطرف الأضعف وهو العامل، فهى تغض البصر عن مايقوم به أصحاب العمل، من التفاف حول القرار ومخالفته، وذلك بأن يخصم صاحب العمل من أجر العامل 720 جنيها اى يتبقى للعامل 5280 جنيه شاملة جميع عناصر الأجر المتغير النقدية بما فى ذلك المزايا العينية (ملابس، ووجبات غذاء، ونصيب العامل فى الأرباح التى يتصحل عليها آخر العام)!
ثانيا: العمالة غير المنتظمة والتى يتجاوز عددها (13 مليون عامل وعاملة) معظمهم فى قطاعات الزراعة والصيد غير عمال البناء، ووسائل النقل، والعاملات والعاملين فى المنازل، وفى القطاعات غير الرسمية، كل هؤلاء يعملون فى ظروف عمل غير مستقرة، وبأجور زهيدة، ولايتمتعون بأى نوع من الحماية الاجتماعية، ومعظمهم يعمل بلا عقد عمل وبشروط مجحفة،
تحت وطأة أعباء الحياة.
ثالثا: غياب التنظيم النقابى الحر والمستقل، الذى يعبر عن مصالح العمال، ويتفاوض باسمهم، حيث لم تزل غالبية عمال القطاع الخاص، بلا نقابات، وبالنسبة للاتحاد العام لنقابات عمال مصر، فهو لايحل مشاكل العمال ولا يتبنى مطالبهم بل ينشأ فى كنف الحكومة ويتبنى فى معظم الأحوال مطالب أصحاب العمل سواء حكومة أوقطاع خاص.
وفى غياب نقابات حقيقيقة ومناقشة مجتمعية، تصدر قوانين وقرارات تضر بمصلحة العمال، ولايتم مراجعة هذه القوانين بعد تطبيقها لعلاج السلبيات، مثل قانون التأمينات الاجتماعية (148) لعام 2019، والذى نجم عنه عدم حصول ألاف من العمال على معاش بعد خروجهم من الخدمة طوعيا، أو نتيجة لتصفية شركاتهم ومصانعهم، وأيضا، مسالب تطبيق القانون رقم 73 لعام 2021، الخاص بإنهاء خدمة الموظفين فى الهيئات والمؤسسات، على أساس تعاطيهم المخدرات، بعد إجراء تحليل مفاجىء لهم، وللأسف تم بموجب هذا القانون إنهاء الخدمة لتقليص العمالة، رغم عدم اتباع ماينص عليه القانون، حيث يشكك غالبية الموظفين فى صحة نتائج التحاليل، التى تقوم بها اللجان المفاجئة، لأن القانون ينص على إجراء التحاليل مرة أخرى فى المعامل المتخصصة فى وزارة الصحة، وأيضا تقوم جهة التحليل والعمل، بعدم الأخذ فى الاعتبار أن المريض الذى يتناول أدوية خاصة بعديد من الأمراض (الحساسية والباطنة)، أن هذه الأدوية تعطى نتيجة إيجابية للمخدرات فى التحليل. وإذا رجعنا لشروط صندوق النقد الدولى نجد أنه يطالب بالتخلص من العمالة الزائدة (تقليص العمالة)، لاحتواء فاتورة الأجور فى الحكومة والقطاع العام، وذلك لسد العجز فى موازنة الحكومة.
رابعا: الحريات النقابية فبالرغم من صدور القانون رقم 213 لعام 2017، وتعديلاته والذى ينص على حق العمال فى تكوين منظيماتهم النقابية، واختيار ممثليهم فى مجالس الإدارة وفى مجالس النقابات، إلا أنه تم تدخل من الجهات الأمنية، لمنع مئات من العمال من الترشح لنقاباتهم، فى الانتخابات العمالية لعام 2022، بل وتهديد آخرين بعدم الترشح.
هذا بجانب التوقف عن تسجيل النقابات المستقلة، وإنهاء الأوضاع المتعلقة بها، على امتداد العامين السابقين، كما لم يحدث تقدم فى ملف الحريات النقابية، ولم تتمكن النقابات المعلقة أوضاعها، من إيداع أوراقها واستيفاء أوضاعها القانونية، وتصر مديريات العمل فى المحافظات، على استلام أوراق النقابات دون تسليم ممثليها إفادة بذلك، بجانب الضغط من قبل المسؤلين فى الوزارة ومديريات القوى العاملة، على النقابات المستقلة، للانضمام للاتحاد العام لنقابات العمال “الحكومى”، وذلك بالمخالفة لقانون المنظمات النقابية وللدستور والاتفاقيات الدولية التى وقعَّت عليها مصر، وضف إلى ذلك يتم بشكل غير قانونى إيقاف أو تجميد نشاط بعض اللجان النقابية المستقلة دون سند قانونى.
خامسا: المفاوضة الجماعية الطوعية، تنص اتفاقية العمل الدولية رقم (98 لعام 1949) على التزام الحكومات بتشجيع المفاوضة الجماعية الطوعية، وتنص المادة (13) من الدستور المصرى على أن تكفل الدولة سبل التفاوض الجماعى وتعمل على حماية العمال من مخاطر العمل.
وبالرغم من صدور قرار رئيس مجلس الوزراء 1027 لعام 2014، بتأسيس “المجلس الأعلى للحوار المجتمعى”، وتعديله بالقرار799 لعام 2018، ولكن قواعد المشاركة فى هذا المجلس وآليات عمله تحد وتعوق فاعليته فى الحوار والمفاوضة الجماعية.
سادسا المطالب العمالية الحالية”:
الأول: مناقشة مجتمعية واسعة لإصدارقانون العمل الذى يكفل الأمان الوظيفى والأجر العادل وحق العمال فى التعبير عن مشاكلهم بكافة الوسائل السلمية بما فيها حق الإضراب دون شروط تعجيزية.
الثاني: تعديل قانون التأمينات الاجتماعية رقم 148 لعام 2019، وكفالة الحماية القانونية والاجتماعية للعمالة غير المنتظمة.
الثالث: مواكبة الأجور للأسعار وتحديد الحد الأدنى للأجور سنويا بموجب قانون مُلزِم لكافة الأطراف بتطبيقه دون استثناءات، على أن يكون عادلا وكافيا للوفاء بمتطلبات المعيشة الأساسية ويعاد النظر فيه بما يتلاءم مع معدلات التضخم.
الرابع: تصديق الحكومة على الاتفاقية (190) لعام 2019، الصادرة من منظمة العمل الدولية الخاصة ب”مناهضة العنف فى أماكن العمل.
الخامس: إزالة جميع القيود والمعوقات الإدارية، التى تحول دون ممارسة حق العمال فى تكوين منظماتهم النقابية بحرية، وتفعيل آليات الحوار والتفاوض المجتمعى، التى تكفل تمثيل العمال من خلال منظماتهم الحقيقية الفاعلة.
السادس: الإفراج عن العمال والنقابيين المحبوسين نتيجة لممارسة حقهم فى التعبير عن مصالح العمال.
كل هذه المعوقات والظروف والأزمات التى يواجهها العمال والعاملات فى مصر لابد من وضع وتفعيل سياسات حلها، من أجل تقدم ونهضة وبناء واستقرار وطننا مصر، وإننى أؤكد على أن تغيير السياسات وتحديد الأولويات فى هذه المرحلة هى الضمان الوحيد للخروج من الأزمات وليس تغيير الأشخاص والاعتماد على أهل الثقة بدلامن أهل الكفاءة والخبرة والنزاهة
دكتورة كريمة الحفناوى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار