مصطفى أحمد يكتب: “تجليات”..نيكولاى تشاوشيسكو – آخر ديكتاتور فى أوروبا
نيكولاي تشاوتشيسكو هو أحد أبرز الطغاة في تاريخ أوروبا الحديث، تعتبر فترة حكمه نقطة سوداء في تاريخ رومانيا، أطلق على نفسه ألقاباً لا نهاية لها، بداية من القائد العظيم ، مروراً بدانوب الفكر، وليس انتهاءاً بالعبقري الذى يعرف كل شئ.
رئيس سابق لرومانيا ، تولى الحكم من عام 1974 وحتى 1989 ، لطالما سبق اسمه لقب الديكتاتور، لطغيانه وبطشه خلال فترة حكمه، بالإضافة إلى انه تسبب في جعل رومانيا أكثر الدول فقراً في أوروبا بسبب سياسته في الحكم.
في عام 1932 خطى تشاوتشيسكو أولى خطواته في عالم السياسة، وذلك بانضمامه إلى حزب العمال الاشتراكي الذي كان محظوراً آنذاك، فتم القبض عليه وقضى عامين ونصف في سجن دوفتانا سيء السمعة، حيث تعرض للعنف وللاعتداء الجسدي، وقد تركت هذه الفترة التي قضاها في السجن علامة في تشاوتشيسكو واضحة في تلعثمه الدائم.
وتعد النقطة الأهم في مرحلة السجن هى مقابلته لجيورجيو – ديج أحد أهم الزعماء الثوريين آنذاك، والذي كان بمثابة نهل لتشاوشيسكو حيث تعلم على يده مبادئ وأصول الشيوعية.
لم يكمل تشاوتشيسكو فترته في السجن، فقد استطاع الهرب أثناء الغزو السوفيتي لرومانيا عام 1944 م، وخلال فترة قصيرة لا تتعدى العام كانت رومانيا خاضعه للحكم الشيوعي ، وبدأ تشاوتشيسكو تسلق سلم السلطة، وبحلول عام 1945 أصبح تشاوتشيسكو عميداً في الجيش الروماني، وفي عام 1965 أصبح السكرتير التنفيذي للحزب الشيوعي، ليصبح بعدها بسنوات قليلة حاكماً للبلاد، وذلك في عام 1974.
تعتبر فترة حكم تشاوتشيسكو فترة مظلمة ونقطة سوداء في تاريخ رومانيا، حيث تحولت إلى أكثر بلاد أوروبا فقراً، كانت فترة صعبة في مختلف جوانبها، بداية من الجانب الاقتصادي والاجتماعي للشعب، وحتى الجانب السياسي.
فقد تبددت كل الوعود والآمال العريضة التي عاشها الشعب في سراب الشيوعية، لم ينته الفقر ولم تختف الطبقية، بل بالعكس ازداد الحال سوءاً، فقد اتبع تشاوتشيسكو سياسة التقشف في إدارة البلاد، فأصبح الحصول على الحاجات الأساسية أمراً صعباً يتطلب الكثير من العناء، وربما كان مستحيلاً في أحيان أخرى، وصلت سياسته في التقشف إلى درجة تقنين الخبز، حيث تم تقدير حصة يومية لكل مواطن عليه أن يلتزم بها، وهذه الحصة تقدر بنصف رغيف !
وبالرغم من ان رومانيا غنية بالموارد خاصة الموارد الزراعية، إلا أن الشعب لم يشعر بها ولم يلمسها في يومه، فلم يكن بشعر بشيء سوى الحاجة، وذلك بسبب تصدير كافة الموارد الزراعية، وسط تجاهل تام لمتطلبات الشعب وحاجة الاستهلاك المحلي، كل هذا كان يحدث بحجة تسديد ديون رومانيا.
هذه الديون التي سببتها مشروعات البناء الضخمة التي قام بها تشاوشيسكو الذي غير ملامح بوخارست تماماً، ومن أبرز هذه المشروعات مبنى “بيت الشعب” الذي هدمت من أجله منازل كثيرة، ويعتبر ثاني أكبر مبني في العالم بعد البنتاجون، كما يعتبر أغلى مبنى إداري في العالم.
اشتدت المظاهرات واندلعت في كافة أرجاء رومانيا، وتوجه المتظاهرون إلى القصر الرئاسي يطالبون بسقوط تشاوتشيسكو، الأمر الذي دفع تشاوشيسكو إلى الخروج إلى شرفة القصر وبدأ يخاطب الشعب بكلمات متوقعة وخطاب مليء بالوعود التي تقسم على التغيير.. ورسم أحلاماً وردية جديدة أملاً في تهدئة تلك الحشود الغاضبة، إلا أن أحداً لم يسمع، فلم يجد سوى الهرب حلاً، وهرب هو وزوجته إيلينا التي يؤكد البعض أنها كان المحرك الأول والأساسي لتشاوتشيسكو، بطائرة هليكوبتر خارج القصر وتوجها لمكان لا يعلمه أحد.
بعد هروبهما تمكن بعض المزارعين من التعرف على مكانهما وتسليمها للشرطة، وبعدها تم عقد محاكمة صورية لم تتجاوز الساعتين، وتم توجيه تهم عديدة إليهما، كانت أبرزها الإبادة الجماعية للثوار، وتدمير اقتصاد رومانيا، وعليه تم الحكم عليهما بالإعدام رمياً بالرصاص، وتم تنفيذ الحكم أمام عدسات التلفزيون، ثم دفنا بعدها في بوخارست.