محمد فوزى يكتب :الإصلاح يبدأ من هنا

دائما ما ينصب جل اهتمام الساسة وصناع القرار والباحثين والأكاديميين علي حزمة من القضايا التى ترتبط بطبيعة النظام السياسى بما فى ذلك سياساته فى الداخل وملف السياسة الخارجية، والملف الاقتصادى، وأولويات تحقيق النهوض والتنمية، إلي آخر هذه الملفات المهمة بطبيعة الحال، لكن الإشكالية التى يجب الالتفات إليها فى هذا الصدد أن الدول عموما لا تبني من أعلي فقط، بل إن السنوات الأخيرة وما شهدناه وعشناه علي الصعيد المحلى كشف أننا أحوج ما نكون إلي البناء السفلى.

وذلك فى ضوء ما نعانيه من أزمة مجتمعية كبيرة، والمقصود بالبناء السفلى هو إعادة بناء المجتمع المصرى، هذا البناء الاجتماعى الذى يشمل كافة مظاهر التراث الاجتماعى من عادات وتقاليد وثقافات وأفكار وممارسات ومنظومة قيمية، قد وصل إلي حالة من التفكك والانهيار غاية فى السوء نتيجة للعديد من العوامل المتداخلة والظروف المركبة التى سوف نتطرق إليها فى مقال لاحق، لكن المسألة الرئيسية هنا هى أن النظام الاجتماعى العام بمعناه الواسع أعم وأشمل من مفهوم النظام السياسى الذى يعنى بشكل رئيسى بالقضايا السياسية، وكما ذهب باحثون فإن النظام السياسى هو جزء من كل عام هو النظام الاجتماعى العام، أى أن النظام الاجتماعى هو الركيزة الأساسية لأى نظام سياسى وأى توجه تنموى وإصلاحى، وهو ما يجعل القضايا المتصلة ببناء وإصلاح المجتمع المصرى ذات أولوية كبيرة بالنسبة للدولة المصرية، ذلك لأننا نجادل ونكافح ليس من أجل إقامة نظام سياسى فقط وإنما نحن نتحدث عن بناء دولة بكل أركانها.

كما أشرنا فإن المساعى الحثيثة لإقامة دولة مكتملة الأركان يقتضى من صانع القرار المصرى الأخذ بعين الاعتبار أن ذلك يتطلب أولا أن نعيد بناء النظام الاجتماعى فى مصر والذى يعانى من أزمات متجذرة سوف تعيق أى توجه تنموى أو إصلاحى بشكل أو بآخر، وتتجلي هذه الأزمة فى العديد من المظاهر فلدينا أزمة هوية، بالإضافة لأزمات الزواج وانتشار العنوسة خاصة بين السيدات، وارتفاع معدلات الطلاق، وكثرة الأمية، وأزمات التفكك الأسرى، وارتفاع معدلات الفقر، وانتشار التلوث والقمامة، ومعدلات الجريمة التى ارتفعت والتى بدأت تأخذ أنماطا “داعشية” كما وصفها باحثون كناية عن البشاعة والعنف المفرط.

أضف إلي ذلك استغلال الجماعات المتطرفة لغياب المؤسسات الدينية الرسمية والانتشار بين الناس خصوصا فى الأرياف والصعيد عبر آليات مختلفة مما يحول المزاج العام وأفكار الناس تجاه تبنى هذه الأفكار وهو ما يدخل فى إطار الأزمة الثقافية التى نعيشها عموما، كما أن لدينا أزمة أخري تتمثل فى إحجام ونزوح الناس عن معظم ما يتصل بالمجال العام وهى أزمة تحتاج إلي رصد ومعرفة أسبابها وإدراك تداعياتها الخطيرة وسبل مواجهتها عبر حلول جذرية، وأخيرا ما يمكن أن يطلق عليه تفكك الوحدة الاجتماعية وهو الأمر الذى يدفع بالمجتمع إلي الصراع المستمر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار