الدكتور/ محمد حسين – يكتب ليست قانوناً

إبان محاكمات نورنبرغ لمجرمي حرب القيادة النازية بعد سقوط الرايخ الثالث، وانتصار دول الحلفاء، التي عُقدت في قصر العدل في مدينة نورنبرغ الألمانية Nürnberg بدايةً من 20 نوفمبر 1945 حتّى 1 أكتوبر 1946. استند محامو المتهمين في دفاعهم إلى القوانين الصادرة في عهد طاغية القوم “هتلر” فكان رد أحد قضاة المحكمة وهل قوانين الدكتاتور تُعد قانونًا؟؟!!!!” ورغم بساطة العبارة إلا أنها تطرح فكرة هامة وعميقة في آنٍ واحد وهي شرعية النص القانوني Legitimacy of the legal text التي تعني أن يكون هذا النص نتاجًا طبيعيًا لإرادة مجتمعية.
وهذا باعتبار أن القانون سواء كان مكتوبًا أو عرفيًا يُعد نتاجًا اجتماعيًا فالقاعدة القانونية العرفية تعني ببساطة شديدة ما تعارف عليه الناس في معاملتهم؛ وبالتالي فإن هذه القاعدة نتاج لهذا المجتمع وهي قاعدة تتولد على نحو تلقائي ولها ركنان: الركن المادي وهو الاعتياد على إتيانها والركن المعنوي وهو وجود شعور داخل الضمير المجتمعي بإلزاميتها. ولا يختلف الحال بالنسبة للقاعدة القانونية المكتوبة – في هذا الصدد – لأنها تُشرع من جانب السلطة التشريعية المُنتخب أعضائها من الشعب ومن ثم فإن هذه السلطة وهي تباشر عملها تكون ممثلة للشعب بما يعني أن ما يتمخض عنه نشاطها التشريع يكون مرده لهذه الإرادة الشعبية ولذلك فإن عينها دائمًا على أن تُشرع ما يحقق مصالح هذا الشعب في مجموعة، فضلًا عن سد النقص في التشريعات القائمة من خلال ما تُظهره الممارسات العملية. وهذا لا يتأتى إلا في ظل وجود نظام حكم ديمقراطي يضمن تمثيل الشعب بشكل حقيقي في هذه السلطة لا أن تكون سلطة مصنوعة من قِبل الحاكم أيًا كانا مسماه لتحقيق مصالحه ومصالح جوقته لأنها في حقيقة الأمر – من الناحية الموضوعية – تمثل هذا الحاكم الذي أتى بها إلى السلطة.
وعلى ذلك فإن النص القانوني الذي يخرج عن هذا الإطار الشعبي المجتمعي يعد مفتقدً للشرعية اللازمة له وعلى ذلك لا يُعد نصًا قانونيًا من الناحية الفنية القانونية لأنه ببساطة شديدة لا يُعد نتاجًا للمجتمع الذي شُرع للتطبيق على أفراده، إنه نص إن عبر فإنه يُعبر عن إرادة حاكم فرد وبطبيعة الحال لتحقيق مصالحه التي يقينًا تتعارض مع مصالح الشعب ولا تتقاطع معها، وهذا يأخذنا للقول بأن هناك رابطة لا انفصام لها بين شرعية النص القانوني وطبيعة نظام الحكم في الدولة فإذا كنا أمام نظام حكم ديمقراطي يكون هناك شرعية للنصوص القانونية الصادرة عن السلطة التشريعية داخل هذا النظام، أما إذا كنا أمام نظام دكتاتوري يغيب فيه الشعب بالكلية كنا أمام حالة انعدام كلي لشرعية هذا النظام بما فيها الأعمال المسماة بالتشريع أو القوانين الصادرة عن السلطة المسماة بالسلطة التشريعية داخله، ولا سند في تطبيقها إلا القوة المادية لهذا النظام الحاكم.