شريف المصري يكتب : تشويه السمعة ليست حرية رأي

في مناخ يفترض أنه يقدّس حرية التعبير، بات من المألوف أن يُستهدف المفكّر أو صاحب الرأي لا لأفكاره، بل لشخصه، لتاريخه، أو لنواياه.
وفي حين ينتظر المتابعون نقاشًا واعيًا قائمًا على الحُجّة والمنطق، يفاجَأ الجميع بحملات تشويه تستهدف السمعة، لا الفكرة، وتخوض في الحياة الخاصة لا الأطروحة أو المنتج الإنساني محل النقاش.
عايشت هذا بنفسي في أكثر من موقف عبّرت فيه عن رأيي بوضوح، وبمسؤولية.. فوجدت من يتعمد اقتطاع كلماتي من سياقها، ويعيد توظيفها في صورة تُسيء لي ولنيّتي، بحسب هواه وميوله الخاصة مني القائمة على الأيدولوجيا أكثر من المهنية، والهوى بديلا عن الموضوعية.
مرة قيل عني إنني “أسبّ النساء”، ومرة أخرى أنني “أطعن في كرامتهن”. والمفارقة أن السياق الحقيقي لما قلته لم يكن هجومًا على المرأة، بل نقدًا اجتماعيًا عامًا، أو دعوة إلى فهم أوسع للعدالة بين الجنسين، لكن البعض قرر ألا يسمع أو يقرأ لينصغ، وإنما ليتصيد ويُشهِّر.
وهنا يتجلى جوهر المشكلة: حين يُواجه الرأي بتشويه سمعة صاحبه، فإننا نغلق باب الحوار ونفتح باب التحريض. وهذا لا يضر فقط بصاحب الرأي، بل بالمجتمع كله، لأننا نكرّس ثقافة الخوف، وندفع بالكثيرين إلى الصمت، تفاديًا لأن يلقوا المصير ذاته.
تشويه السمعة ليس نقاشًا، بل سلاح جبان يستخدمه من لا يملك الحُجّة. هو اختزال لمواقف معقدة في عناوين مُحرِّضة، واغتيال معنوي يُمارَس غالبًا أمام جمهور لا يملك الوقت ولا الرغبة في التحقق.
وفي حالتي، لم يكن الهدف الحقيقي الدفاع عن المرأة، بل إسكات صوتي، وإبعادي عن الساحة، لأن صوتي كان مختلفًا. كانوا يعرفون أن فكرتي لا يمكن إسكاتها بالحجة، فاختاروا أن يُسكتوا صوتي بتشويهي وترهيبي.
لكن الرد على ذلك لا يكون بالصمت. بل بالاستمرار. بأن نُصرّ على الحضور، وعلى قول ما نؤمن به، بوعي، وبمسؤولية، وبثقة في أن من يخشى الفكر لا يواجهه إلا بالباطل، وكنت ولا زلت مراهنا وواثقا في وعي جمعيتنا العمومية.
لذلك، أدعو كل من يواجه الظلم المعنوي نفسه ألا يستسلم. فالمعركة ليست شخصية، بل ثقافية. معركة من أجل بيئة مهنية وفكرية سليمة، لا تصادر الحق في الاختلاف، ولا تقتل الرأي بتهمة مغلّفة بالمزايدات الأيدولوجية المغطاة بالشعارات الأخلاقية.
الفكر يُواجَه بالفكر. وكل ما عدا ذلك، تشويه لا يليق بمجتمع يريد أن ينهض، وأبدا لن يكون تشويه واغتيال السمعة حرية رأي محل احترام من أحد.