سيناريوهات الصراع الإيراني الإسرائيلي في ضوء تصريحات ترامب.. مصر بين مأزق الدبلوماسية وكابوس الاقتصاد

بسمة رمضان: هل تمهد تصريحات ترامب لوقف الحرب بين إيران والكيان الصهيوني؟ وتداعياتها المحتملة على مصر
قالت الإعلامية بسمة رمضان، المتخصصة في الشأن السياسي، إن التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران، والذي شمل ضربات إسرائيلية لمنشآت نووية وعسكرية إيرانية، أثار جدلاً حول إمكانية وقف الحرب في ضوء تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وأوضحت رمضان أن ترامب، الذي أكد دعمه “غير المسبوق” لإسرائيل، دعا إيران في الوقت ذاته إلى العودة لطاولة المفاوضات، محذراً من ضربات “أكثر وحشية” في حال فشلت في التوصل لاتفاق نووي، مع تأكيده أن الولايات المتحدة لن تشارك مباشرةً في العمليات العسكرية.
وأضافت: “هذه التصريحات المزدوجة، إلى جانب دعواته للتهدئة، تدفع للتساؤل عن إمكانية احتواء الصراع، وانعكاس ذلك على مصر التي تواجه تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية جراءه”.
أكدت رمضان أن تصريحات ترامب (التي جاءت عقب الضربات الإسرائيلية في 13 يونيو 2025) تجمع بين التأكيد على دعمه القوي لإسرائيل ومحاولة دفع إيران نحو التفاوض بدلاً من التصعيد. حيث ذكر أنه أُبلغ مسبقاً بالهجمات دون تورط أمريكي مباشر، ودعا طهران صراحةً إلى “إبرام صفقة” لتجنب مزيد من التصعيد. وأشارت إلى معلومات عن مشاورات تجريها إدارة ترامب، تشمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للإسراع بجهود التهدئة.
استجابة إيران المترددة:
أوضحت رمضان أنه في حال استجابة إيران، قد تشهد الساحة استئناف المفاوضات النووية ووقفاً مؤقتاً للأعمال العسكرية. غير أنها لفتت إلى أن طهران أعلنت تعليق المحادثات عقب الهجوم، مما يقلل من فرص تحقيق هذا السيناريو على المدى القصير.
السؤال المحوري: كيف يؤثر هذا على مصر؟
حددت رمضان عدة سيناريوهات محتملة وتداعياتها على مصر:
1. سيناريو التفاوض والتهدئة (المحدود الاحتمال حالياً):
فرصة: يتيح لمصر استعادة دورها كوسيط إقليمي، خاصة عبر استضافة محادثات أو وساطة جامعة الدول العربية.
التحدي المستمر: استمرار التوتر في البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين (المدعومين من إيران) سيظل يهدد إيرادات
قناة السويس، التي انخفضت بنسبة 20% عام 2024 جراء اضطرابات مماثلة.
الضغط الاقتصادي: ارتفاع أسعار النفط سيضغط على الاقتصاد المصري، المستورد لـ 30% من احتياجاته من الطاقة.
2. سيناريو استمرار الصراع عبر الوكلاء (المرجح حالياً):
الرد الإيراني: قد تعتمد إيران على وكلائها (الحوثيين، حزب الله) للرد على إسرائيل، مع تجنب المواجهة المباشرة.
الحد الأمريكي: رغبة ترامب المعلنة في تجنب “حروب الشرق الأوسط” قد تحد من التصعيد الأمريكي المباشر، مما يعني استمرار الصراع عبر الوكلاء مع ضربات إسرائيلية دقيقة متوقعة.
تداعيات على مصر:
اقتصادياً: تفاقم أزمة قناة السويس (مصدر رئيسي للعملة الصعبة بـ 10 مليارات دولار سنوياً) واستمرار ارتفاع أسعار الطاقة.
أمنياً: تصاعد نشاط الجماعات المتطرفة المدعومة من إيران، خاصة في سيناء (المهددة بهجمات متكررة منذ 2011).
مالياً: زيادة محتملة في الإنفاق العسكري، مما يرهق الموازنة العامة.
3. سيناريو التصعيد الإقليمي الشامل (الأسوأ):
التطور: في حال ردت إيران بقوة مباشرة، أو انضمت دول أخرى (مثل باكستان، تركيا، أو دول خليجية) للصراع، قد يتسع نطاقه لحرب إقليمية. ورغم عدم رغبة ترامب في تورط أمريكي مباشر، إلا أن دعمه المطلق لإسرائيل قد يدفع واشنطن للتدخل إذا خرجت الأزمة عن السيطرة.
تحذير: وصفته رمضان بـ”السيناريو الكارثي” الذي قد يقود لفوضى إقليمية وارتفاع حاد بأسعار النفط وتداعيات اقتصادية عالمية.
تداعياته الكارثية على مصر:
اقتصاد مدمر: توقف شبه كامل للملاحة في البحر الأحمر، مما يقضي على إيرادات قناة السويس، وارتفاع أسعار النفط يرفع التضخم ويضاعف معاناة المواطن.
أزمة لاجئين: تدفق لاجئين جدد من مناطق النزاع (كاليمن) يرهق الموارد المصرية، التي تستضيف بالفعل 9 ملايين لاجئ.
تهديد أمني حاد: تصاعد كبير في التهديدات الأمنية داخل سيناء، يتطلب تعزيزاً عسكرياً مكثفاً.
4. سيناريو إضعاف إيران الشديد (غير مرجح):
الهدف الإسرائيلي: إذا نجحت إسرائيل (بتشجيع ترامب الذي تحدث عن إنقاذ “ما كان يُعرف بالإمبراطورية الإيرانية”) في إحداث تغيير بنظام طهران أو إضعافه بشدة.
الاستبعاد النسبي: ترى رمضان هذا السيناريو غير مرجح نظراً لقوة النظام الإيراني داخلياً ودعم حلفائه (روسيا والصين).
انعكاساته على مصر:
ضغوط سياسية: تعزيز الهيمنة الإسرائيلية قد يضع مصر تحت ضغط أمريكي-إسرائيلي لتعديل سياساتها، خاصة تجاه غزة وسيناء، مما قد يثير استياءً شعبياً.
استقرار نسبي: قد يعيد الاستقرار الملاحة تدريجياً، لكن مصر ستظل تعاني على المدى القصير من ارتفاع أسعار الطاقة.
التحديات المصرية الرئيسية في ظل الصراع:
1. الاقتصاد: التهديد المباشر لإيرادات قناة السويس (ركيزة اقتصادية حيوية) واستمرار ارتفاع أسعار النفط، مما يرفع التضخم ويؤثر على أسعار السلع الأساسية ويزيد من حدة الأزمة الاقتصادية القائمة والاستياء الشعبي.
2. المأزق الدبلوماسي: صعوبة الحفاظ على الحياد بين إسرائيل (المدعومة أمريكياً) وإيران، وسط ضغوط داخلية وعربية للوقوف مع “القضايا العربية”. تصريحات ترامب الداعمة بشدة لإسرائيل قد تجبر مصر على اتخاذ موقف أكثر وضوحاً، يعرضها لانتقادات. كما أن دورها الوسيط (كما في ملف غزة) قد يضعف إذا فشلت الجهود النووية.
3. الأعباء الأمنية والاجتماعية: ازدياد مخاطر تدفق اللاجئين (مع استضافة 9 ملايين لاجئ حالياً) وتصاعد التهديدات الأمنية في سيناء، مما قد يدفع لزيادة الإنفاق العسكري وإجهاد الموازنة.
خاتمة وتوقعات:
اختتمت بسمة رمضان تحليلها بالقول: “تمثل تصريحات ترامب محاولة للتوفيق بين دعم إسرائيل وتجنب حرب شاملة، لكن نجاحها في احتواء الصراع مرهون باستجابة إيران المترددة حتى الآن.
أما مصر، فستظل توخى تبِعات استمرار التوتر على اقتصادها (قناة السويس، الطاقة) واختباراتها الدبلوماسية والأمنية. وسيكون الحفاظ على الحياد مع العمل الدؤوب لتعزيز الدور الوسيط مفتاحاً رئيسياً لتخفيف هذه التداعيات.
والتاريخ يشهد أن مصر قادرة على تحويل الأزمات إلى فرص، لكن ذلك يتطلب حنكة دبلوماسية عالية واستعداداً اقتصادياً وأمنياً متيناً. وفي النهاية، نثق في قدرة قيادتنا السياسية والعسكرية على إدارة الملفات المصيرية بحكمة”.