نقطة ومن أول الفقر

في كل مرحلة من مراحل التحول السياسي والاجتماعي، بيظهر نوع معين من البشر، بيعيشوا على ظهر الموجة، ويتفننوا في ركوبها. مش لأنهم مؤمنين بالتغيير، ولا لأن عندهم مبادئ بيدافعوا عنها… لأ، دول ناس بتحركهم مصلحتهم وبس. بنسميهم “وصوليين”، وأحيانًا “انتهازيين”، لكن الحقيقة إن المصطلحات دي مهما كانت قاسية، فهي أضعف من حقيقتهم.
دول الناس اللي بيتلونوا حسب المزاج العام، حسب الاتجاه السائد، وحسب مين اللي ماسك العصاية. بيحطوا وش اللي قدامهم، يلبسوا لبس الثورة وهم ولاد الدولة، ويرفعوا شعارات المعارضة وهم بياخدوا تعليماتهم من المكاتب الخلفية للسلطة.
بيستخدموا السياسة مش كأداة للتغيير، ولكن كوسيلة للوصول… الوصول للكرسي، للوضع، للسلطة، أو حتى لمجرد المصلحة اللحظية. ولما تفتح دفاترهم، تلاقي تاريخهم كله قائم على “الانبطاح”… انبطاح فكري، أخلاقي، وحتى في المواقف اللي كان المفروض يثبتوا فيها، تلاقيهم أول من باع.
الأسوأ من كده إنهم مش بس بيضروا أنفسهم، لأ، دول بيخربوا البلد. لأن وجودهم في أماكن القرار بيمنع الشرفاء من الفرصة، وبيحوّل السياسة لسوق نخاسة، يترفع فيه صاحب الصوت العالي، مش صاحب الموقف السليم. وكل ما الظروف تتغير، تلاقيهم أول ناس يغيروا جلدهم، ويبدأوا صفحة جديدة كأنهم ملايكة نازلين من السما… ودايمًا يبدؤوها بعبارة: “نقطة… ومن أول الفقر!”
لكن الحقيقة إن الفقر الحقيقي مش فقر الجيب، الفقر الحقيقي هو فقر الضمير. وده مرض مالوش علاج عندهم. لأنهم بيختاروا النفاق، بيشربوه، وبيقنعوا نفسهم إنهم أذكى ناس في القاعة… لكن التاريخ دايمًا بيفضح.
كل الشعوب اللي اتحررت بجد، ما اتحررتش إلا لما شافت وشوشهم الحقيقية، وطردتهم من المشهد. الانبطاح عمره ما بنى وطن، والانتهازية عمرها ما صنعت نهضة. بالعكس، هما دايمًا أول المسامير في نعش أي محاولة للإصلاح.
وفي الآخر…
الناس ممكن تسكت على الغلاء، على القهر، على الظلم… بس ما بتسكتش على الخيانة. واللي بيبيع نفسه النهارده، محدش هيشتريه بكرة.
فلو كنت من اللي بيبدأوا كل مرحلة بجملة “نقطة ومن أول الفقر”… فاعرف إن الناس بقت شايفة، وإن التاريخ مش بيرحم.



