من الذي سرق قضيتنا؟

هل تصوّرت يومًا أن يمر هذا الشعب بكل ما مرّ به…
لا يغضب، ولا يسأل، ولا يُعارض، ولا يتمسك حتى بحلم صغير؟
هل خطر ببالك أن تصبح كلمة “وطن” خافتة في النقاشات اليومية،
وأن تتحوّل القضايا الكبرى إلى أحاديث ماضية؟
هل هذه طبيعتنا؟
أم أن هناك من أعاد تشكيل وعينا وقصّ جناحي الحلم فينا… دون أن نشعر؟
*هكذا يُصنع الإنسان بلا قضية*
تفريغ المواطن لا يبدأ بالقمع الصريح…
بل بإغراقه في التفاصيل التافهة والمآزق اليومية،
حتى يصبح مشغولًا دومًا عن التفكير، غارقًا في القلق، مسجونًا في لقمة العيش.
• تُنتزع منه أدوات التأثير (برلمان، نقابة، إعلام).
• يُرغَم على تصديق أن كل صوت مستقل مصيره الفشل.
• يُقنعونه أن الوطن ليس له، بل “لأصحاب النفوذ والمصالح”.
وهكذا، لا يُطلب منه أن يخون،
بل فقط أن يتنازل… مرة بعد مرة،
إلى أن ينسى أن له قضية أصلًا.
*من المسؤول؟*
لا يمكن أن نُلقي اللوم على لحظة سياسية بعينها،
ولا أن نحصر المشكلة في نظام واحد فقط.
فالخطة – إن وُجدت – أو النتيجة – إن كانت عفوية –
بدأت منذ أن تم إقصاء المواطن عن القرار والمشاركة والتفكير.
السلطة حين تخاف من وعي الناس، تبدأ في تهميشهم،
وحين تُهمّشهم، تبدأ في احتقارهم،
وحين تحتقرهم، تبدأ في الحديث عنهم… بدلًا من الحديث معهم.
والنتيجة:
مجتمع منزوع الإرادة، وسلطة بلا شركاء.
*لماذا تريد بعض الأنظمة مواطنًا بلا قضية؟*
لأنه الأسهل في الإدارة…
لا يعترض، لا يُسائل، لا يُنظم.
لكنه في الحقيقة: لا ينتمي، لا يبادر، ولا يدافع.
وهنا المفارقة:
الإنسان المُفرّغ قد يبدو مريحًا للسلطة،
لكنه هشّ… لا يحمي وطنًا، ولا يصمد أمام أزمات، ولا يصنع استقرارًا.
*الفرصة لا تزال قائمة… إذا صدقت النية*
إذا كان النظام الحالي جادًا في بناء دولة قوية،
فلا بد أن يبدأ من حيث تجاهل السابقون: بناء الإنسان.
ولن يُبنى هذا المواطن من خلال حملات دعائية أو شعارات وطنية،
بل من خلال:
• تعليم يزرع التفكير لا الحفظ،
• إعلام يُعيد الاعتبار للمعنى لا الإثارة،
• اقتصاد يُقدّر الكفاءة لا الواسطة،
• قانون يُطبق بعدل لا بانتقائية،
• وبيئة سياسية تُشجّع التعبير، لا تكمّمه.
المطلوب ليس انقلابًا… بل خطة إصلاح طويلة النفس،
تضع نصب عينيها هدفًا بسيطًا وخطيرًا في آن واحد:
*“استعادة المواطن كشخص له قضية.”*
*وفي المقال القادم…*
حين يحاول هذا المواطن – بعد كل ما جرى – أن يسأل، أن يعبّر، أن يشارك…
تتحسس الدولة أعصابها،
وتتعامل معه كمن ارتكب جريمة.
فهل تحوّل المواطن من شريك مُحتمل…
إلى عدو يجب احتواؤه؟
هذا ما سنحاول فهمه في المقال التالي




