محمد فوزي يكتب : الإرهاب الأبيض من جديد..

شهد الأسبوع الماضي حادثين أشارت التقارير الأولية إلى أنهما يأتيان في إطار أعمال الكراهية والتمييز، كان الحادث الأول في ألمانيا والذي راح ضحيته حوالي ثمانية أشخاص إثر إطلاق النار من شخصين قالت التقارير أنهما ينتميان إلى اليمين المتطرف، والحادث الثاني تمثل في طعن إمام مسجد في بريطانيا.

هذه الحوادث وما سبقها من حوادث مماثلة تأتي في إطار ما أطلق عليه باحثون موجات “الإرهاب الأبيض” وهو أحد تجليات تنامي النزعة العنصرية، وهو الأمر الذي عززه عنصران رئيسيان:
1-الموجات المتتالية والمتصاعدة من الهجرة للدول الغربية.
2-بروز وتصاعد الأحزاب اليمينية المتطرفة خلال آخر عقدين كأحد أشكال التطرف، وهو التصاعد الذي أرجعه البعض لكونه رد فعل على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وما حمله هذا التصاعد من انتشار وتنامي لظاهرة “الإسلاموفوبيا” .

في هذا السياق أكد مؤشر الإرهاب العالمي الصادر في نوفمبر 2019 أن إرهاب اليمين المتطرف قد تصاعد في الفترة ما بين عامي 2014 و 2018 بنسبة 320% في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، كما أشارت التقرير إلى أن عدد ضحايا الإرهاب اليميني خلال الفترة من يناير 2018 حتى سبتمبر 2019 قد وصل إلى 77 قتيلا، وهو ما أرجعه التقرير إلى سهولة الحصول على الأسلحة في الدول الغربية وتزايد حدة العنصرية والكراهية للأقليات والآخر الأجنبي.

لكن الملاحظ أن الأمر لم يعد مقتصرا على صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة وجماعات النازيين الجدد التي تقوم أفكارها وبرامجها على تهميش وإقصاء الأقليات العرقية والدينية وإضطهادها، وتحاول إعادة هندسة المجتمعات الغربية استنادا إلى هويتها، بل أصبح الأمر مرتبطا بتزايد نزعات الكراهية والعنصرية لدى فئات قد لا تكون تنتمي إلى هذه التيارات المتطرفة، وهو الأمر الذي يحمل دلالة خطيرة ترتبط بفكرة وجود استقطاب مجتمعي وأيديولوجي حاد في الدول الغربية خصوصا ظل اتخاذ هذه النزعات المتطرفة “الإرهاب” كآلية لفرض رؤيتهم وتحقيق أهدافهم، في هذا الصدد أشارت بعض الدراسات إلى أن أهم الأسباب التي تقف وراء تصاعد موجات الكراهية التي يترتب عليها الإرهاب الأبيض تكمن في:

1-الاعتقاد بالتفوق العنصري: وهي المعتقدات التي تدعي تفوق الهوية البيضاء وأنها متميزة عن غيرها، وبالتالي ترى في موجات الهجرة وانتشار الأقليات تهديدا وتحديا كبيرا لهذه الهوية.

2-إرث الاستقطاب والصراع التاريخي: دائما ما يستدعي المتطرفون اليمينيون بعض الفترات التاريخية التي يحاولون من خلالها تبرير سلوكهم، كاستدعاء الحروب الصليبية، وسقوط القسطنطينية والدولة البيزنطية، فيحاولون إبراز بعض الأحداث التاريخية ويسوقونها على أنها دليل على أن التعايش مع الآخر غير ممكن وأن الصدام والصراع هو حتمية تفرضها اعتبارات عدة.

3-مخاوفهم على مصالحهم، حيث تعتبر الجماعات اليمينية المتطرفة العولمة تهديدا كبيرا لها وذلك في ضوء التدفقات الكبيرة للبشر ورؤوس الأموال وتزايد أدوار الأجانب في الاقتصاد.
والحاصل أن هذه الممارسات جاءت لتعبر عن تنامي المخاوف لدى قطاعات واسعة من “انصهار” الآخر الأجنبي، وتآكل الهوية البيضاء، ولتؤكد على حالة الغضب والاستقطاب التي تشهدها الدول الأوروبية والقائمة على أسس دينية وطائفية وعرقية والعداء للآخر الأجنبي، وهو الأمر الذي أكده كون البرامج السياسية لتيار اليمين المتطرف أصبحت موضع تأييد من قطاعات ليست بالقليلة من الناخبين في البلدان الغربية، بالرغم من قيامه على أسس وأفكار ربما لم تكن مقبولة من قبل في سياق الفكرة الليبرالية السائدة في هذه المجتمعات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار