احمد الغنام يكتب.. التعليم المصري احسن من المستورد
العلم هو ضد الجهل، وحين نقول “نظام تعليم” يعني مجموعة من القواعد والضوابط والتدرجات المترتبة على بعضها لتصل في النهاية إلى القضاء على “التجهيل”، ويرتبط أي نظام تعليم بمحددات ثلاث: المستقبل، والحاضر، والتاريخ والهوية، ويعاد ترتيب هذه المحددات بناء على الظروف الراهنة، وأولويات المجتمع.
وابتلي المجتمع المصري في الفترة الأخيرة بعوامل ثلاثة، جعلت التجهيل ينتصر على التعليم، والفوضى تنتصر على النظام، الإرهاب المتدين، والفساد، والأزمة الاقتصادية، حيث تتضافر كل هذه العوامل على المواطن وعلى الدولة وتتدخل في كل قراراتها، وتحكم في مساراتها الرشيدة، وتحارب كل محاولات الحوكمة المستميتة التي تحاول الدولة المصرية غرسها، تنجح أحيانا، وتتأثر أحيانا بتسلل هذه العوامل لمفاصل الدولة.
وحملت قرارات وزارة التربية والتعليم بشأن إلغاء الثانوية العامة واستبدال البكالوريا بها، بصمات العوامل الثلاثة، فتقدم التاريخ والهوية على البرمجة، وكأننا نحتاج أن نقول لطفل مصري ولد على أرض مصرية وأكل وشرب من خيرها أنه مصري يمتد نسله لأجداد عظام سبقوا التاريخ وبنوا أول وأعظم حضارة في الدنيا، وهذا سببه تفشي التجهيل الإرهابي من الجماعات المتخلفة، التي تحارب الدولة المصرية والمواطن والهوية لأغراض معروفة للجميع.
وللأسف تتخذ الأيادي المرتعشة في الحكومة المصرية قرارات تخضع بشكل أو بآخر لتهديدات هذه الجماعات، وهو أمر لا يليق بعظمة مصر والمصريين، لا يجب أن نكون ردة فعل لابتزاز إرهابي حقير يجعلنا نغير أنظمة التعليم لتواجه شائعات من شرذمة من الخونة والمتربصين، يا حكومة مصر ساندك الشعب في أحلك الأوقات دون أن يكون مضطرا للصبر عليكم، فلماذا تعبثون بمستقبله ومستقبل أولاده، إذا كانت الحكومة ترسل أبناءها للتعليم في الخارج، تماما مثل وزير التعليم في الحكومة، ولا تهتم للتعليم في الداخل، فإن هذا الخلل لن يمر مرور الكرام، وسيحاسب كل من تسبب فيه عاجلا ام آجلا، فنحن أمة متحضرة تمر بأزمة ولسنا فئران تجارب.
أما بصمة الفساد فواضحة في قرارات وزير تلقى تعليمه في الخارج خوفا عليه من الاختلاط بالمصريين، والآن يتعامل معهم من منطق الفوقية، وأنه يعلم ما لا نعلم، وهو يعرف وكلنا يعرف اللغط والجدل الذى سبق تولى منصبه في الوزارة ، من حق أي مصري أن يكون وزيرا، لكن ليس من حق أي مصري أن يتلاعب بمصير هذه الملايين من الكادحين الصابرين على الخلل الحكومي الفج.
ولا يمكن أن نتجاهل الجانب المتربح من التعليم، هذا التعليم الذي كفله الدستور مجانا للمصريين، وهو الحق كالماء والهواء، هذا التعليم المجاني الذي أخرج علماء مثل زويل، يراه أعضاء جمعية المنتفعين في الحكومة المصرية أنه “فاشل”، يتعلمون في الخارج ويفشلون وتسندهم أموال أهاليهم ويعودون ليتهموا المصريين المرابطين على تراب هذه الأرض بالفشل، ألا تخجلون؟
لم يكن الفساد هذه المرة مختفيا، بل كان فجا واضحا مجاهرا بفساده وتغوله، ويقول للمصريين بكل غطرسة سنقرر ما نريد دون الرجوع لأحد، وكأن الدولة ليس فيها من يفهمون أو يعقلون سوى هذه الحفنة من المنتفعين، وهذا السبب الحقيقي للثورة العارمة التي قوبل بها قرار السيد الوزير “تقفيل برة”، الذي نعلم جمعيا اين تعلم قبل تعلمه في الخارج، وقرر فرض رسوم على إعادة الامتحان للراسبين، وكرما منه ترك المرة الأولى دون رسوم!! أي تهريج تمر به منظومة تعليمية علمت العالم دون مبالغة، منظومة كانت منذ سنوات قليلة – ومازالت – تصدر المعلمين لمحيطها العربي والأفريقي؟
حدد القانون رقم 139 لسنة 1981 بإصدار قانون التعليم، ضوابط المنظمة للتعليم الثانوي العام، حيث نصت المادة 26 أن مقررات الدراسة في التعليم الثانوى العام تتكون من مواد إجبارية ومواد اختيارية، ويصدر بتحديد هذه المواد وعدد المواد الاختيارية التى يتعين على الطالب أن يجتازها بنجاح، قرار من وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى بعد موافقة المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعى وموافقة المجلس الأعلى للجامعات.
هل استشار الوزير المجلس الأعلى للتعليم الذي أنشئ بقرار جمهوري؟ هل وافق المجلس بقرار رسمي على هذه القرارات ليشرح للناس الأسباب القومية لتمريره؟ هل عرضت هذه القرارات على مجلس النواب أو لجنة التعليم؟ هل تم تعديل القانون رقم 139 لسنة 1981 بشأن الراسبين؟ هل مر التعديل على البرلمان؟ هل نوقش التعديل في حوار مجتمعي كما أمر رئيس الجمهورية في كل قرار يخص الأسرة المصرية في فبراير 2024؟
من المقصود بالتحدي الذي أعلنه السيد الوزير المستورد؟ هل سلطة القانون؟ أم البرلمان؟ أم قرارات الرئيس؟ أم الدولة المصرية؟ أم الشعب نفسه؟ ماذا في جعبة الوزير من قرارات قد تودي بأعمار تضيع فداء لهذا الوطن حتى يجعلها تضيع فداء له ولقراراته ولمصالح جمعية المنتفعين المصرية؟
ارفعوا أيديكم عن الشعب، ارفعوا أيديكم عن المستقبل، هذه الوزارة من العار أن تستمر في مكانها يوما واحدا بعد أن استعدت الجميع، وداست على القوانين، وحطمت الأعراف والقرارات، وتخطت الحدود الفنية والسياسية وعبرت بصراحة عن مجموعة من الذين يقررون “تفتيش جيوب الناس” باسم التعليم دون أي مبرر.