د. محمــد حسيـــن يكتب : المسئولية الدولية لجمهورية الصين الشعبية عن تفشي فيروس كورونا COVID-19 – جزء أول
تُعد المسئولية ضرورة حتمية لأي نظام قانوني، إذ لا معنى لقاعدة قانونية لا تُرتب أثرًا على مخالفتها أو انتهاكها، وتختلف هذه الآثار حسب طبيعة النظام القانوني ففي المجال الجنائي تكون العقوبة الجنائية، وفي المجال التأديبي تكون الجزاء الإداري أو العقوبة التأديبية على حسب الأحوال وفي المجال المدني – التقصيري أو التعاقدي- تكون التعويض العيني أو المالي أو إعادة الشيء إلى ما كان عليه كلما كان ذلك ممكنًا، ونظرًا للطبيعة الاعتبارية لأشخاص القانون الدولي فقد كان من المنطقي أن تكون المسئولية الدولية مسئولية مدنية بالأساس. وإعمالاً لذلك قضت المادة (1) من مشروع قانون مسئولية الدولة عن أفعالها غير المشروعة دوليًا المُعد من جانب لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة، الصادر عن الجمعية العامة للهيئة الأممية بموجب قرارها رقم 56/ 83 بتاريخ 12 ديسمبر 2001، بأن كل فعل غير مشروع دوليًا تقوم به الدولة يستتبع مسئوليتها الدولية.
وبالتالي فإن المسئولية الدولية في صورتها التقليدية تنشأ نتيجة عمل مخالف لالتزام قانوني دولي ارتكبه أحد أشخاص القانون الدولي، مسبباً ضرراً لشخص دولي آخر، وأن غايتها تعويض ما يترتب على هذا العمل من ضرر، وهنا تقوم المسئولية علي أساس الخطأ أو الفعل غير الشروع الذي يُنسب للدولة المعنية، ونظرًا لأن فكرة الخطأ تتطلب عنصرًا نفسيًا فإنها تُعد غير مناسبة للمجال الدولي الذي يتكون نظامه القانوني من أشخاص اعتبارية.
والقاعدة العامة في هذا الخصوص أن انتهاك الشرعية وما يترتب على ذلك من التزام بالتعويض يرتبطان بصورة عامة، ولقد أمسك القانون الدولي خلال العقود الأخيرة بتلك العلاقة البسيطة أو الرابطة المعقودة التي يجري الاحتجاج بها بين ارتكاب فعل غير مشروع والالتزام بالتعويض عن الأضرار اللاحقة نتيجة لهذا الفعل غير المشروع، ولقد لخصت المحكمة الدائمة للعدل الدولية هذه الرابطة بقولها: استقر المبدأ في القانون الدولي على أن كل انتهاك لالتزام يتبعه التزام بالتعويض، في الحكم الصادر في قضية l’usine de Chorzow.
وهذا الالتزام قد يتمثل في القيام بعمل أو إغفال يُنسب إلى الدولة بمقتضي القانون الدولي، ويشكل خرقًا لالتزام دولي على الدولة، ( المادة 2). وخرق الالتزام الدولي يكون متى كان الفعل الصادر عن الدولة غير مطابق لما يتطلبه منها هذا الالتزام، بغض النظر عن منشأ هذا الالتزام أو طابعه، ( المادة 12).
وبالنسبة لرابطة السببية، فإنها تكمن في الرابطة المعقودة بين السبب والأثر المترتب عليه، وعلى مستوى القانون تكمن السببية في الرابطة الضرورية، وليس فقط في الرابطة الاحتمالية بين السبب والأثر الناتج عنه (حيث مخالفة القاعدة القانونية ، أو الحق الشخصي، أو الفقد، أو الضرر).
وبالتالي فإن المسئولية الدولية عن نشر الأوبئة تقوم في حالة مخالفة للنظام القانوني الحاكم لها، المتمثل – بشكل عام – في قواعد القانون الدولي العام الآمرة، وبشكل خاص في القواعد القانونية الحاكمة لمنظمة الصحة العالمية والمعاهدات الدولية ذات الصلة.
هذا ويعد جبر الأضرار المترتبة على توافر هذه العناصر من الفعل غير المشروع دوليًا والضرر المترتبة عليه وعلاقة السببية بينهما، من بين أحد الأثار المترتبة على توافر المسئولية ويكون هذا الجبر شامل لكافة الأضرار المادية والمعنوية، ( المادة 31).
وقد طبق القضاء الدولي هذه النظرية في قضايا عديدة، فأكدة المحكمة الدائمة للعدل الدولي في قضية الفوسفات في المغرب، أنه عندما ترتكب دولة ما فعلًا غير مشروع دوليًا ضد دولة أخرى، تنشأ المسئولية الدولية فورًا. وسارت محكمة العدل الدولية على ذات النهج في قضايا عديدة مثل قضية مضيق كورفو بين المملكة المتحدة وألبانيا، وقضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكارغوا.
وقد أسفرت الثورة الصناعية والتقدم التكنولوجي والاكتشافات العلمية الحديثة عن عدم صلاحية نظرية الخطأ ونظرية الفعل غير المشروع لتبرير المسئولية الدولية ، ذلك نظراً لأنه قد يحدث الضرر نتيجة أفعال مشروعة بالأساس، يحميها ويكفلها القانون، إلا أنه رغم مشروعيتها قد تُسبب ضرراً للغير مع تعذر إثبات وقوع خطأ، ومن هنا اتجه الفقه إلى تأسيس المسئولية على عنصر الضرر فقط وهي ما تُعرف بالمسئولية على أساس المخاطر أو المسئولية الموضوعية.
وتقوم هذه النظرية على فكرة مفادها، أن كل من يجلب منفعة من نشاط يمكن أن يخلف ورائه أضرارًا جسيمة، هو وحده الذي يجب أن يتحمل الآثار الناجمة عن هذا النشاط، ومن ثم يكون مسئولاً عن انخراطه في هذا النشاط الخطير، دون حاجة للبحث فيما إذا كان هناك ثمة خطأ صادر عنه من عدمه.
وبالتالي يمكن القول إن المسئولية القائمة على أساس الخطأ تتضمن معنى الجزاء، بينما تعتمد المسئولية المطلقة على أساس موضوعي يستهدف إقامة التوازن في الحقوق، وعلى ذلك فإن تقدير التعويض في الحالة الأولى يتطلب التعرف على عناصر خارجية مثل مسلك محدث الضرر والظروف المحيطة به، بينما يتم التعويض في الحالة الثانية اعتمادًا على عناصر داخلية مثل جسامة الضرر ومدى الخلل الذي أحدثه الضرر في التوازن القائم بين الأطراف.
يتبع ..
د. محمــد حسيـــن
الخبير فى القانون الدولى
mohamadhussien45@gmail.com