حسام خضرا يكتب: غزة الآن.. نقطة اللاعودة

سنوات طويلة يحاول خلالها السكان في قطاع غزة انتزاع حريتهم من الحكم العسكري والسطوة الدينية التي تمارسها حركة حماس منذ صيف 2007، وفي كل مرة تكون النتيجة هي الوصول إلى طريق مسدود بسبب القبضة الأمنية الشديدة للحركة، بالإضافة إلى قدرة عناصرها على القمع والاعتداء إلى حد يصل إلى القتل أحياناً.
وحتى فترة قريبة وأثناء الحرب عمد عناصر الحركة إلى تنفيذ عمليات قمع واعتداءات بحق المعارضين بل وقتلوا عدداً كبيراً من سكان القطاع بذرائع وحجج واهية يمكننا التذكير ببعضها على سبيل المثال لا الحصر، اغتيال محمود نشبت الذي كان مطلوباً للاحتلال، واغتيال زياد أبو حية الذي صرخ طالباً إنقاذ سكان القطاع من سطوة حماس، والاعتداء على الناشط أمين عابد، ناهيك عن اغتيال الناشطة الاجتماعية إسلام حجازي بنحو 90 رصاصة بسبب تشخيص خاطئ لسيارتها.
كل هذه الاعتداءات وغيرها الكثير من الحوادث التي تم تسجيلها على مدار سنوات حكم حماس لغزة أصبحت الآن شرارة أيقظت العقول وأطلقت دوي الحناجر بهتافات مناهضة لاستمرار حماس في الحكم، فخلال الحرب الإسرائيلية الطاحنة أدرك غالبية السكان أن قدرتهم على احتمال المراهقة السياسية لحماس وأذرعها قد بلغت نهايتها وأنه لا سبيل إلا إطلاق الشرارة الأولى لمظاهرات تطوف أرجاء القطاع المدمر مطالبة بإنهاء الحرب وتنازل الحركة عن الحكم دون قيد أو شرط، خاصة أن ألاعيب وأساليب الحركة أصبحت مكشوفة للقاصي والداني فهي لا تراهن إلا على دماء سكان القطاع في استمرار حكمها وقبضتها الأمنية، لكن السكان أدركوا أن خطر استمرار الحركة في الحكم أصبح مهدداً للبقاء الفلسطيني داخل القطاع، فحماس بتاريخ حكمها الممتد منذ 18 عاماً لم تفعل شيئاً لصالح سكان القطاع، وهذا تساؤل مشروع حول ما أنجزته حماس لسكان القطاع خلال سنوات وجودها، الإجابة هي لا شيء سوى المزيد من الدمار والحروب والموت للوصول إلى نتائج لا يمكن مقارنتها بحجم التضحيات.
خرج الغزيون أخيراً إلى الشوارع لكن حماس على الفور حركت أذرعها الإعلامية، فالقطاع يعتبر آخر معقل لحكم الإخوان المسلمين في العالم وسقوطه من أيديهم يعني انهياراً أشد من انهيار حكمهم في مصر وتونس والسودان، وبدأ كيل الاتهامات بالتخوين والعمالة، فالشعب الذي قدم الشهداء وكانوا يصفونه في تصريحاتهم بالصابر الثابت على أرضه أصبح خائناً في اللحظة التي عارض فيها غبائهم ومراهقتهم السياسية، ولمن لا يعرف فهذه هي طريقة الإخوان في الحكم، فمنهاج التخوين والتكفير وقلب الحقائق ثوب فُصِل لهم.
البدائل والإمكانيات
مع تصاعد الاحتجاجات ولجوء حماس إلى لغة التهديد للمتظاهرين بل ووصل الأمر إلى حد اختطاف بعضهم من الشوارع، أصبحت العائلات والعشائر هي الملاذ الآمن لأبناء القطاع، وأصبحنا نرى من يخضعون للتهديد يلجئون إلى طلب الحماية من عشائرهم خاصة أن اللعب أصبح الآن فوق الطاولة، وفقد عناصر حماس ثباتهم الانفعالي الذي لطالما استخدموه لإخفاء هوياتهم وراء اللثام وباتوا أكثر وقاحة وحِدة في التعامل مع المقهورين من أبناء القطاع فأصبحوا بمثابة وباء وجب اجتثاثه واستئصاله من جذوره.
إن العشائر الفلسطينية المناضلة تعتبر الآن ملاذاً آمناً يمكن الاحتماء به من بطش من أدخل القطاع في متاهة لا عودة منها، ولا يغرنكم تلك الأمثلة التي تسوقها الأذرع الإعلامية التابعة لهم والتي تصورهم على أنهم السد المنيع لإسقاط المشاريع الإسرائيلية، فإسرائيل لا تهتم وحماس تعتبر واحدة من أعظم المشاريع التي خدمت إسرائيل بدءاً من مسؤوليتها عن إضعاف السلطة الفلسطينية ومروراً بالانقسام الداخلي وليس انتهاء بالمسؤولية عن نهر الدماء الذي انفجر في قطاع غزة دون توقف.