محمد فوزى يكتب .. الخطاب الديني والإنهزامية!

يوجد وبلا شك خلل كبير فيما يتعلق بالخطاب الديني في عالمنا المعاصر، وهو الخلل الذي أحدث جدلا وأزمات كبيرة ارتبطت بتصاعد الدعوات التي انطلقت منذ سنوات داعية إلى عملية تجديد لهذا الخطاب وهي الدعوات التي تزامنت مع بروز العديد من التنظيمات المتطرفة والإرهابية التي استغلت السياق والظروف المضطربة التي تمر بها العديد من المجتمعات العربية في أعقاب ثورات الربيع العربي لتروج لمنظومة من التصورات والأفكار والمفاهيم المغلوطة التي تكرس وتؤصل للعنف والإرهاب وأحادية الفكر والاستبداد بإسم الدين، وهو السياق الذي أنتج حالة ملحة لرصد أهم وأبرز إشكاليات هذا الخطاب المهم وبلا شك في مجتمعات كالمجتمعات العربية يعتبر المكون والبعد الديني حاضرا وبقوة في بنيتها وتكوينها، وهي الإشكاليات التي تعوق أي توجه إصلاحي أو رغبة حقيقية في مواجهة التطرف الفكري الذي يؤدي للإرهاب، وذلك في ضوء كون عملية مكافحة الإرهاب تحتاج إلى مقاربة شاملة تعالج المشكلة من جذورها ومسبباتها الحقيقية والأصيلة لا تكتفي فقط بالمواجهة الأمنية للإرهاب الغاشم.

في هذا السياق وعند الحديث عن قضية التطرف والقصور الذي يعاني منه الخطاب الديني في التعاطي مع هذه الإشكالية الكبرى ومعالجتها، لابد من الإشارة إلى أحد الإشكالات المهمة لهذا الخطاب وهو المتمثل في فكرة تحقير الدنيا وكراهيتها، وهي الفكرة التي يكرس لها بعض القائمين على الخطاب الديني الرسمي وغالبية الخطاب الديني غير الرسمي الذي يعبر عنه خطاب التيارات الإسلامية، فيخلط هذا التوجه بين التزهيد في الدنيا والإعلاء من القيم والجوانب الروحية، وبين إهمالها وترك السببية كأبرز طرق البناء وإعادة تعمير وتشكيل الدنيا بما يتفق مع مقاصد الأمن الإنساني وقيم الحرية والعدل والإنصاف والمساواة التي حثت عليها كل الأديان وجاءت لتضمنها، فيغفل هذا الخطاب دور العقل وإعمال الفكر والتأكيد على مسؤولية الفرد في الاختيار والعمل والتمييز بين التوكل والتواكل، وهي الأمور التي في محصلتها تغذي الفكر السلبي والإنهزامي لدى المجتمع وتجعله دائما ما ينظر للأمور بنظرة سوداوية انهزامية تخضع لنظرية المؤامرة، وهي النتيجة التي تواجه معها أي دعوات إصلاحية صعوبات بالغة، بل وتجعل المجتمع عرضة لتقبل وتشرب أفكار التطرف والإرهاب خصوصا في ظل خطاب المظلومية الذي تردده تيارات الإسلام السياسي ويستغل العديد من الظروف السياسية والاقتصادية والمجتمعية والنفسية لقطاع عريض من الناس، وربما هذا ما جعل الشيخ “محمد عبده” رحمه الله يذهب إلى أن فقهاء عصره ومن وصفهم ب “حملة العمائم وسكنة الأثواب العباعب” هم المسؤول الرئيسي عن تخلف الأمة بسبب فشلهم وفشل خطابهم في التعاطي مع مشاكل الأمة وأزماتها ومستجداتها وتبنيهم موقف جبري إزاء أي قضية لا يرى أي مخرج من أي أزمة سوى عبر الموت أو الفناء، وفي نفس السياق ذهب “الكواكبي” رحمه الله إلى أن من وصفهم ب “الجهلة المتعممين” هم أخطر العلل التي تواجه هذه الأمة، وما أجمل تعبير الشيخ الغزالي حين قال بأن المشايخ أو القائمين على الخطاب الديني يحتاجون أن يتعلموا فن الحياة ومن ثم يعلمونه للناس.

الحاصل أن إشكالية الوعي الغائب والتفكير اللامنطقي الانهزامي السلبي لدى قطاعات عريضة من المجتمع تحتاج من القائمين على هذا الخطاب الذي له تأثير واسع في مجتمعات كمجتمعاتنا العربية عموما والمجتمع المصري على وجه الخصوص عمل مراجعة حقيقة وجادة تستهدف التجديد ومعالجة كافة الإشكاليات المرتبطة بهذا الخطاب والتحول من فلسفة الموت إلى فلسفة الحياة والبناء والإعمار، وهذا كله في ضوء كون هذا الخطاب أحد الأدوات المهمة لتشكيل ومعالجة أزمات كثيرة مرتبطة بالوعي الجمعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار