أ.د سعيد سعد سليمان يكتب ..حول خطة الحكومة لسد العجز المائي
في البداية أحب ان أوضح ان مصر تحتاج من 70-75 مليار متر مكعب من المياه ، طبقا لأحمد فوزي دياب، أستاذ الموارد المائية بمعهد بحوث الصحراء ، تلك الكمية مقدرة بناء على التوقعات المستقبلية والزيادة السكانية المقبلة، و ما يتجاهل المسؤولين ذكره أن نسبة 80% من استهلاك مصر للمياه تتجه إلى الزراعة في حين أن 20% فقط تغطي الإستهلاك الآدمي و الصناعي .
تتمحور الخطة الحكومية حول :
أولا: تحلية مياه البحر
ثانيا معالجة مياه الصرف الصحي
ثالثاً: تبطين الترع
رابعاً : استخدام نظم الري الحديثة
نأتي أولاً لتحلية مياه البحر : نعلم ان المملكة العربية السعودية هي أكبر دوله تقوم بتحلية مياه البحر في العالم بقدرة 1.3 مليار متر مكعب في العام و يتكلف المتر المكعب 0.7 دولار اي حوالي 10 جنية لكل متر مكعب ،
لهذا يجب التقرير بأن الله سبحانه و تعالي يهدي مصر كل عام 55.5 مليار متر مكعب (أي 555 مليار جنية في العام )
و لهذا تحلية مياه البحر لا يمكن ان تستخدم في الزراعة لارتفاع تكلفتها، فقط تستخدم في الاستهلاك الآدمي والصناعي – نعلم ان كل بلاد العالم التي تعاني ندرة المياه العذبة مثل إسرائيل لديها مياه بحار فلماذا لا تقوم بمشروعات تحليه ضخمه كما ستفعل مصر ؟! لأنها تقوم بعمل دراسة جدوي حول تكلفة المتر المكعب من المياه المحلاه بالمقارنة بتكلفة المتر المكعب من الأنهار والآبار الإرتوازية و تكون النتيجة بالتأكيد لصالح مياه الأنهار والآبار، وبالتالي تقوم إسرائيل بسرقتها من الضفة الغربية
وقد أعلنت الحكومة في اغسطس الماضي اعتزامها بناء 39 محطة لتحلية المياه بقدرة 1.4 مليون متر مكعب يوميا. وتتكلف المحطات حوالي 29.3 مليار جنيه، وجاري بناؤها في محافظات مرسى مطروح والبحر الأحمر وجنوب وشمال سيناء وبورسعيد والدقهلية والسويس
أستطيع ان اتفهم اننا نقيم محطات تحلية على البحر للتعمير و الصناعة في هذه المناطق الساحلية و لا مانع من ذلك – و لكن هذه الكمية لا يمكن بأي تقدير أن تصل إلى نصف مليار متر مكعب سنوياً، تستخدم فقط في التوسع العمراني و ليس لتوفير مياه عذبة جديدة .. لذلك فخطة تحلية مياه البحر ليست من الوسائل المناسبة لتوفير مياه عذبة و لكن تلزم لإحداث عمران في المناطق الساحلية .
ثانيا: خطة معالجة الصرف الصحي : تستهدف الخطة إنشاء 52 محطة معالجة بتكلفة 8.1 مليار جنية لتنتج 418 مليون متر مكعب سنوياً تكفي 8 مليون فرد كإستهلاك آدمي .. وهذا يعني اكثر من 35 مليارجنية من الخارج لتوفير فقط ما يقارب من مليارمتر مكعب من المياه !!
بإمكاننا تخفيض تكلفة معالجة مياه الصرف الصحي بأن تكون المعالجة تصلح لأغراض الزراعة فقط و ذلك لأن لدينا ما يكفي الإستهلاك الآدمي !
ثالثا: تبطين الترع : ما لا يعلمه السادة المسؤولين ان كل مياه الرشح من الترع و التي تذهب إلى باطن الأرض أو إلى المصارف يستخدمها الفلاح المصري في الموسم الصيفي عن طريق الآبار الارتوازية، و نزيد على ذلك أن الفلاح المصري و منظومة الري المصرية تستطيع أن تستخدم المتر المكعب من المياة اكثر من ثلاث مرات .
اسألوا فلاحي مصر في نهايات الترع و في المناطق الشمالية والتي تعتمد في المقام الأول علي مياه المصارف التي تأتي من رشح الترع
العجيب أن الدولة أنشأت سحارة سرابيوم لنقل مياه مصرف المحسمة اإلى سيناء بقدرة 1 مليون متر مكعب في اليوم – هذا المصرف هو نتاج رشح المياه من ترعة الإسماعيلية !!
هذه الخطة التي تهدف تبطين الترع و التي لن توفر مترا مكعبا واحدا من المياه بل تضر الفلاحين اشد الضرر و تعبث بالمنظومة الزراعية و المائية ( تكلف الدولة 100 مليار جنيه !)
رابعاً:نأتي إلى تطبيق نظم الري الحديثة : ( الري بالرش – الري بالتنقيط – الري تحت السطحي) غالبية الأراضي الجديدة الرملية في الصحراء تستخدم هذه الوسائل و لكن تطبيقها في الأراضي الطينية القديمة سيحتاج إلى دراسات متعمقة تأخذ من 5 الي 10 سنوات و ستكلف مئات المليارات – في نفس الوقت سيكون توفير المياه بإستخدام هذه الطرق ليس بالعامل المؤثر – لأن الري بالغمر يساهم في غسل التربة من الأملاح و هي مشكلة صعب التصدي لها مع طرق الري الحديثة هذا بجانب انه يتسرب من 30 الي 50 % منه الي باطن الأرض و يذهب هذا الماء الي المصارف ( الصرف الزراعي) و التي يستخدمها المزارع مره اخري .. اذن هذه الوسائل لا توفر في المياه بالقدر الكافي و ستلعب عملية البخر دور هام في فقد هذه المياه .
هل نقوم فقط بتوجيه إنتقادات الي خطة الدولة لحل مشكلة نقص المياه دون ان نقدم حلول؟!!
بالطبع لا .. حين نحاول حل مشكلة ما بطريقة علمية نبدأ بتحليل المعطيات التي لدينا حتي نصل لحل مناسب لتلك المعطيات .. كما ذكرنا سابقاً ان نسبة 80% من المياه العذبة تذهب إلى الزراعة فكيف للدولة أن تتجاهل امراً بتلك الأهمية من شأنه التأثير على بنية الدولة بأكملها و توفير قوت الملايين ؟!
علماء مصر المخلصين دائماً لديهم الحل، و الحل الذي لا بديل عنه في توفير مياه الزراعة هو استنباط سلالات مقاومة للجفاف موفره للمياه .. و نحن هنا لا نكل و لا نمل من تقديم تجربتنا في استنباط سلالات أرز الجفاف عرابي كمثال حي مقاوم لكل الصعاب من اجل خدمة هذا الوطن.
بإمكاننا توفير 11.5 مليار متر مكعب سنوياً فقط باستنباط أصناف مقاومة للجفاف في مختلف المحاصيل الشرهة لاستهلاك المياه و ذلك علي النحو التالي
اولا: تعميم زراعة أرز الجفاف والذي يستهلك 3500 متر مكعب من المياه للفدان بدلاً من 7 آلاف للأصناف العادية ، و هو مزروع هذا العام في أكثر من 200 ألف فدان في كل محافظات مصر و يمكن زراعة 2 مليون فدان بالمياة المخصصة لمليون فدان فقط اي نوفر 7 مليار متر مكعب من المياه في العام و تزيد الإنتاجية الي 2 مليون طن بمعدل 1 طن للفدان على الأقل متفوقاً علي الاصناف العادية .
ثانياً : بالنسبة لقصب السكر ، لا بد وأن نعلم أن مصر تمتلك ميزه نسبية عن باقي دول العالم في كل من القطن و الأرز و قصب السكر، لأننا في قصب السكر نحوز أعلي انتاجية في العالم ، و في الأرز نحوز على أعلي سعر في العالم ، ما بالكم بالقطن المصري !!
بالنسبة لقصب السكر هو محصول شره لاستهلاك المياه فتتوجه الدوله لتقليص المساحة المزروعة لحساب بنجر السكر و رغم ذلك يتم زراعة اكثر من 300 الف فدان من قصب السكر و بإمكاننا توفير نصف كمية المياة من خلال زراعة أصناف مقاومة للجفاف نجحت في استنباطها محطة بحوث المطاعنة و التي تستهلك 6 الاف متر مكعب للفدان بدلا من 11 ألف متر مكعب مما يعني أن باستطاعتنا توفير 1.5 مليار متر مكعب سنوياً باستخدام هذه الأصناف.
ثالثا: بالنسبة للموز كونه ايضاً محصول شره لإستهلاك المياه نستطيع بإستخدام التكنولوجيا الحيوية ( زراعة الأنسجة و الخلايا) إستنباط أصناف مقاومة للجفاف خلال 3 الي 5 سنوات.
رابعاً : الذرة الشامية : نظراً لكونها محصول صيفي يستهلك 3500 متر مكعب من المياة للفدان . يمكن باستنباط سلالات و هجن مقاومة للجفاف توفير ألف متر مكعب في الفدان و نظراً لأننا نزرع 3 مليون فدان نستطيع توفير 3 مليار متر مكعب من المياه خلال 3 الي 5 سنوات . نستطيع ايضاً استنباط اصناف مقاومة للجفاف مبكرة النضج في المحاصيل الشتوية كالقمح و البرسيم و قد نجحنا بالفعل في استنباط اصناف من القمح تزرع علي المطر فقط في الساحل الشمالي الشرقي و الغربي و هي عرابي 52 و عرابي 73 .
كل ما سبق بإمكاننا تنفيذه و تحقيق الأمن المائي المصري في خلال 5 سنوات اذا ما آمنت القيادة السياسية بأهمية البحث العلمي في حل مشكلات مصر و دور العلماء في النهوض بالزراعة المصرية .. هذا لن يتحقق إلا بتطوير آليه اتخاذ القرار و القضاء على الفساد الإداري .
ليس بإمكاننا إغفال كم المليارات المقترضة من اجل مشروعات ذات جدوى محدودة تساهم فقط في زيادة عبء الدين الخارجي علي كاهل البلاد في حين ان بإمكاننا بعقول علمائنا إبتكار حلول مناسبة لمشاكلنا دون تلك الكلفه الباهظه الغير مبرره .. نقول قولنا هذا إرضاء لضمائرنا و إنطلاقاً من واجبنا نحو وطننا الحبيب
و الله من وراء القصد .