د. آمال سيد تكتب .. الثروة العقارية بين التجديد والاحلال

 

حينما نذكر مصطلح المدن الحديثة يتبادر الى الذهن المباني الشاهقة وناطحات السحاب والشوارع الواسعة والكبارى الفارهة . وربما نتذكر نموذج مدينة دبى أو مدينة أبو ظبى . والحقيقة أن مصطلح المدينة الحديثة يرتبط بشكل أساسى بدرجة جودة الخدمات بها ودرجة مواءمتها مع البيئة فضلا عن مراعاة الاشتراطات المتعلقة بالكثافة السكانية ومراعاة العلاقة النسبية بين الكتل السكانية والأبنية باستخداماتها المختلفة والمساحات الخضراء داخلها . والمصطلح بهذا المفهوم يتسع ليشمل المدن التراثية والتاريخية . أيضا من نافلة القول ان المدينة الحديثة لابد وان يكون لها ظهير خدماتى وتركيبة ديموجرافية متنوعة تساعد على الاكتفاء وعدم الاسراف في استخدام وسائل النقل بأنواعها للتقليل من الانبعاثات الحرارية وغيرها من العوامل التي تؤثر على البيئة وجودة الهواء بها .

ولقد قامت الدولة بمجهود طيب في مجال توسعة الشوارع وعمل المحاور والطرق الجديدة لتقليل الضغط على الشوارع وتحقيق السيولة المرورية من خلال إنشاء العديد من الكبارى . وقامت في سبيل تحقيق ذلك بإزالة بعض المنازل العشوائية والتي لم تراعى شروط البناء أو لم تلتزم بقوانين البناء كما حدث في عزبة الهجانة والطريق الدائرى وغيرها . حيث قامت الدولة في سبيل تحقيق خطتها بتوفير مساكن بديلة لمن قامت بإخلائهم من مساكنهم أو قامت بتعويضهم تعويضا مناسبا .

إلا اأنه في الآونة الأخيرة بدأت الدولة في إخلاء أحياء كاملة مخططة عمرانيا ولها تعاقدات قانونية وملكيات مستقرة منذ سنوات وغير عشوائية وتم بنائها لفئة الطبقة المتوسطة أو الطبقة الفقيرة ( مساكن شعبية ) في الستينات والسبعينات بغرض تطوير المنطقة كلها واستبدالها بعمارات فارهة ومناطق ترفيهية موجهة لفئة معينة من المجتمع . مثلما حدث في مساكن ألماظة ومثلما يحدث الأن في مساكن الحى السادس …والبقية تأتى مستقبلا .مما يعنى تغيير الطبيعة الديموجرافية والسكانية لحى مدينة نصر ومصر الجديدة وعمل إزاحة للطبقات الفقيرة والمتوسطة لمساكن في أماكن أبعد على حدود القاهرة الكبرى .فضلا عن اهدار متعمد للثروة العقارية المتمثلة في هدم عشرات بل مئات العمارات والتي تجعلنا نتساءل ماهى الجدوى الاقتصادية لهدم الثروة العقارية وهل من الأجدى تجديدها أو إحلالها بمستوى آخر من المباني؟ وهل تأتى عملية الإحلال على رأس الأولويات أم أنه يمكن تأجيلها؟

وتقدر الثروة العقارية لمصر بحوالي 20 مليون مبنى على حسب آخر إحصاء . يقدر80% منها ملكيات خاصة حيث يتجه الذوق العقارى في مصر نحو التمليك دون الايجار، وهو ما يجعل المالك يحافظ على عقاره ويصونه ويواليه ويتعهده ويحسن منه ويرفع مستوى خدماته، وقد حدد المشرع المصرى العمر الافتراضى للعقار بمدة تتراوح ما بين 50 – 100 عاما حيث تتوقف على نوع البناء ودرجة صيانته وهو مالا ينطبق على المباني التي تزيلها الدولة في منطقة ألماظة أو منطقة الحى السادس ( حيث أن هذه المباني لم يمضى على بنائها سوى 40-50 عاما فقط وتم بناؤها بمعرفة كبريات شركات المقاولات في ذلك الوقت مثل شركة عثمان أحمد عثمان وغيرها وهى شركات مشهود لها بالوطنية وجودة المباني التي تقيمها فضلا عن أن المباني تم بناؤها وفق كود البناء المصرى وهو ما يعطيها عمرا افتراضيا طويلا .
وهنا نأتى للسؤال الهام …هل من الأجدى هدم الثروة العقارية أم تجديدها ؟ بالطبع إن تجديد الثروة العقارية يحافظ على التركيبة الديموجرافية المتنوعة للسكان ويحافظ على الاستقرار الاجتماعى بالتجمعات السكانية وإن استبدال التركيبة السكانية من خلال عمليات الهدم وإعادة البناء من شأنه أن يسمح بتغلغل الشركات المتعددة الجنسيات وسيطرة رأس المال وطغيان المصالح المادية للأثرياء ولرجال الأعمال على مصلحة الطبقات الأدنى في المجتمع . فالعبرة ليست ببناء ناطحات السحاب وإنشاء الطرق الفارهة ولكن العبرة بدرجة تحقيق السلام الاجتماعى بالمجتمع وهذا هو المعنى الحقيقى للمدن الحديثة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار