محمد أبو العيون يكتب : مخطط “أخونة الأزهر”.. كيف أصبح الأزهر والإخوان شركاء في نفس المسار؟! (الحلقة الثانية)
تطرقنا في الحلقة الأولى من حلقات (مخطط أخونة الأزهر.. كيف أصبح الأزهر والإخوان شركاء في نفس المسار؟!)، التي نكشف فيها المخطط الكامل لمحاولات السيطرة على الأزهر الشريف من قبلِ جماعة الإخوان المسلمين، إلى السنوات الخمس التي تولي فيها أحمد حسن الباقوري (عضو مكتب إرشاد الجماعة، وأحد المرشحين بقوة لخلافة حسن البنا -حينئذ-)، رئاسة جامعة الأزهر (1964- 1969)، وكيف أن تلك السنوات كانت بمثابة النواة التي رسخت القواعد الإخوانية داخل جامعة الأزهر، ومكنت الجماعة فيما بعد من تشكيل خلايا أوكل إلى أعضائها استقطاب طلاب الأزهر، والعمل على تخريج كوادر أزهرية ينتمون للجماعة.
اقرأ أيضا : محمد أبو العيون يكتب : مخطط “أخونة الأزهر”.. كيف أصبح الأزهر والإخوان شركاء في نفس المسار؟! (الحلقة الأولى)
نجح الإخوان خلال سنوات “الباقوري” -ولأول مرة منذ تأسيس الجماعة- في شرعنة وجودهم داخل أقدم جامعة بالعالم الإسلامي؛ فقبل تنصيب الرجل رئيسًا للجامعة، كان نصيب الإخوان من طلاب ومشايخ الأزهر يقف عند حد استقطاب بعضهم من خارج أسوار الجامعة، وبالطبع تغير هذا الوضع أثناء وبعد “ولاية الباقوري”، وبدأت خطة اختراق الجامعة الأعرق تُنفذ بنودها من الداخل.
ولعل أخطر ما حدث خلال “ولاية الباقوري”، هو نجاح الإخوان في تحقيق استراتيجية خداع العقل الجمعي، وهي خطة ذات شقين. الشق الأول منها ظهرت ثماره سريعًا، وتمثل في تجنيد خريجي الأزهر للقيام بدور المشرعن لأعمال الجماعة، إضافة إلى “غسل سمعة رموز الجماعة”، وعلى رأسهم حسن البنا، وتقديمه كإمام مجدد، خارق الذكاء، أفنى عمره في سبيل الدعوة إلى الله، إضافة إلى سيد قطب، الذي قُدم كأنموذج للاعتدال، وبرئ من كل تطرف، وألبس ثوب الشهيد المظلوم الذي شوهه الأشرار (نظام عبد الناصر) الكارهون للإسلام.
أما الشق الثاني من استراتيجية الخداع التي حققها الإخوان خلال ولاية الباقوري؛ فتمثلت في انتقاء الرجل مجموعة من الطلاب الأزاهرة المتميزين (تخرجوا في حقبة الستينيات، وسنكشف عنهم بالأسماء خلال حلقات مقبلة) والذي يتوقع لهم الجميع تقلد مناصب سيادية داخل هيئات المشيخة في المستقبل، وضمهم إلى جماعة الإخوان دون الإعلان عن انتمائهم، وتم إعدادهم إعدادًا جيدًا (وبسرية تامة) لاستكمال شق “غسل سمعة رموز الجماعة” من جانب، ومن جانب آخر لنشر الفكر الإخواني واستقطاب المزيد من طلاب الأزهر وتشكيل “خلايا أزهرية إخوانية عنقودية” كل جيل منها يسلم راية الإرهاب الإخواني للجيل الذي بعده، حتى لا يخلو الأزهر في أي زمان من فكر الجماعة.
والباقوري بهذا كان يساير الاستراتيجية التي انتهجها الإخوان عقب صدور قرار حل الجماعة ومصادرة ممتلكات وأموال أعضائها، على يد رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي، في الثامن من ديسمبر عام 1948 م، وهو القرار الذي آثرت عقبه الجماعة إضفاء طابع السرية على مخططاتها الرئيسية وبالأخص المتعلقة منها بالمستقبل، وعلى رأسها مخطط اختراق الأزهر والسيطرة عليه.
وقد أثمرت البذرة التي غرسها “الباقوري” في التربة الأزهرية عن تبوء كوادر إخوانية مناصب سيادية بالمشيخة بعد أقل من 25 عامًا على رحيل الرجل من رئاسة الجامعة، ونجحت الجماعة من خلال هؤلاء “الأزاهرة المتأخونين سرًا”، في استقطاب العشرات من طلاب الأزهر، بعد تفخيخ أدمغتهم بالفكر الإخواني، الذي خصص لنشره 4 مؤلفات قُررت -ولأول مرة في تاريخ هذه الجامعة العريقة- على طلاب 14 كلية، خلال العام الدراسي 2018/ 2019 (سنذكر أسماء هؤلاء والدور الذي لعبوه في خدمة الجماعة ونشر أفكارهم الإرهابية وتفخيخ أدمغة طلاب الأزهر في حلقات مقبلة).
وما نود تسليط الضوء عليه في هذه الحلقة، هو شق تجنيد خريجي الأزهر للقيام بدور المشرعن لأعمال الجماعة؛ فعقب النكثات المتكررة التي تعرض لها الإخوان، جراء تكشف حقيقة التنظيم السري المسلح الذي أسسه حسن البنا، وتورط عناصره في الاغتيالات بأمر مباشر من المؤسس، ثم نشر أفكار سيد قطب المتطرفة، والتي كفر فيها المجتمع ووصفه بالجاهلية.. إلخ، أصبح مستقبل الجماعة في مهب الريح، بل إن المؤرخين يؤكدون أنها ماتت اكلينيكيًا بعد أن اتضح للجميع أنها لا تمثل الإسلام من قريب أو بعيد، وهنا ظهرت فوائد البذرة التي غرسها الباقوري في التربة الأزهرية، لتقوم بدور المنقذ.
أدرك قادة الإخوان أن الطريقة المُثلى لإعادة الروح إلى الجسد الإخواني، هو ابتعادهم عن المشهد وتصدير “الكوادر الأزهرية” التي تتلمذت على يد الباقوري، ليقوموا بمهمة إضفاء “الأصولية الشرعية” على كل الأعمال الإجرامية التي اقترفتها الجماعة في الماضي، والتي ستقترفها في المستقبل من جانب، ومن جانب آخر القيام بدور “غسل سمعة رموز الجماعة”، وبالفعل تصدر يوسف القرضاوي، ومحمد الغزالي، ومحمد متولي الشعراوي، ومحمد عمارة، وغيرهم من خريجي الأزهر المنتمين للجماعة، للقيام بهذا الدور.
ففي سبعينيات القرن الماضي؛ أعاد المنظر الإخواني الأزهري يوسف القرضاوي، الحياة مرة أخرى إلى جسد الإخوان المترهل، وذلك حين ابتدع ما أطلق عليه “فقه الأولويات”، وهي نصوص فقهية مبتدعة لم يأتي بها أي فقيه إسلامي منذ بعثة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وحتى السبعينيات، ولأن القرضاوي حين طرح هذه النصوص الفقهية المزيفة كان يرتدي عمامة الأزهر؛ فقد تقبلها العامة بصدر رحب، ووثقوا فيها ثقةً عمياء.
والخطير في “الجريمة الفقهية” التي ابتدعها القرضاوي، متخفيًا وراء العمامة الأزهرية، أنه نجح في خداع العامة، حين ألبس الأعمال الإرهابية لجماعة الإخوان -منذ حسن البنا وحتى يومنا هذا- ثوب “الأصولية الشرعية”، واستطاع من خلال أكذوبة “فقه الأولويات” في إختراع ترياق أبقى الجماعة على قيد الحياة، ولذلك عُد القرضاوي المؤسس الثاني لجماعة الإخوان، التي ما زال أعضاؤها يجنون ثمار أفكار الرجل منذ السبعينيات وحتى يومنا هذا.
أدركت جماعة الإخوان، أن “عمامة الأزهر” هي القنطرة التي ستمر منها “جريمة القرضاوي الفقهية”، وأن ثقة المجتمع في هذه العمامة كفيلة برفع حيل الرجل ونصوصه المزيفة إلى مرتبة المعلوم من الدين بالضرورة، وقد تحقق هذا الأمر بالفعل، وانطلت الخديعة على الجميع، وأصبح “فقه الأولويات” منذ السبعينيات جزءًا أصيلًا من علوم الشريعة الإسلامية، حتى أن منكروه وصموا بـ”الجهل بأصول الدين”.
والواقع يؤكد أن المجتمع الإسلامي تكبد العديد من الخسائر في الأرواح والأموال جراء الجريمة التي ارتكبها القرضاوي؛ فلولا خديعة “فقه الأولويات” لما استطاع الإخوان البقاء في المشهد طوال هذه السنوات، واكتساب مساحة كبيرة من التعاطف الشعبي في الكثير من البلدان الإسلامية مكنهم من الوصول إلى سدة الحكم في عدد من البلدان، ولذلك كنا ننتظر أن ينتفض الأزهر الشريف من أجل إزالة آثار هذه الجناية الفقهية، وأن يُصنف علماؤه مؤلفات -أو حتى مؤلفًا واحدًا- تفند الأكاذيب التي نسجها القرضاوي في “فقه الأولويات”، ولكن هذا لم يحدث، والعكس هو ما صُدمنا به؛ إذ تم الاحتفاء بالقرضاوي، وتوجيه الدعوة تلو الأخرى له، لحضور المؤتمرات التي تعقدها جامعة الأزهر منذ العام 2005 وحتى ثورة 25 من يناير 2011، ثم جاء اختياره عضوًا بهيئة كبار علماء الأزهر، وهو الاحتفاء والاختيار الذي أضفى على أفكار الرجل المزيفة “شرعية أزهرية”.
وللحديث بقية..