د/ احمد الشعراوى يكتب ..الشرق الاوسط تاريخيا مسرحا من مسارح الحروب العالمية: دعوة لمراجعة النظام العالمي
بعد انتهاء الحرب الباردة التي
أدت لدرجة من التوترات التي نشهدها حاليًّا.
فهناك تحدٍ روسي للنظام العالمي دار من قبل ولم يعد مقبولا الآن، بالإضافة إلى وجود تحديات صينية تتمثل في إمكانية منافسة الصين للولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا والعولمة.
وبالتالي فإن المراجع للوضع الحالي والراهن يجد ان هناك نوع من اختبار القوة؛ مما يضع العالم أمام سيناريوهات للحرب الباردة، التي عاشت مراحل للتصعيد مسبقًا، كما أن القوى الدولية المختلفة تفكر حاليا في تشكيل جديد قائم على “التنافس التعاوني والتكتلات “.
ومن ثم، فقد دخل العالم في مدار جديد غير الذي كان فيه منذ انتهاء الحرب الباردة، وبشكلٍ ما فقد سعت روسيا، ومن قبلها الصين، إلى عمل نوع من “المراجعة Revision” للنظام الدولي مرة أخرى.
ومعرفة إلى أين يؤدي ذلك بدول العالم المختلفة والمتنوعة، إنه أمر يحتاج الكثير من التفكير ، فلا يمكن أن ينتظر العالم “القوى العظمي” حتى تعمل علي تصفية خلافاتها بالقوة أو بالسلام والتسوية أو ترك الحظوظ والأقدار تلعب لعبتها الدرامية المثيرة. باختصار فإن الامور لا تزال في بدايتها، والغزو الروسي إلى أوكرانيا حتى وقت كتابة هذه السطور اري انه لايزال في بدايته، رغم كل الاحداث المتسارعة والمتفاقمة وإذا صحّت التقديرات، فإن الاستيلاء الكامل على أوكرانيا وتبديل حكومتها بشكل يتناسب مع الأذواق الروسية سوف يستغرق وقتًا، أو على الأقل مثل الوقت الذي .
ورغم إلحاح الصحافة والإعلام، فإنه لا أحد يعرف متى سوف يمكن تقدير نجاح أو فشل العقوبات الاقتصادية وتأثيرها على تراجع أو تقدم القوات الروسية. ما نعرفه أن –أمريكا وحلف الأطلنطي– يريد الدخول في حرب، فضلا عن مواجهة احتمالات استخدام الأسلحة النووية، وما نعرفه أيضا أن الظروف الداخلية للدول الأطراف في الأزمة ضرورية لفهم السلوك والتحركات، ففي روسيا توجد غالبية تؤيد ما قام به الرئيس بوتين ولكن أقلية نشطة ترى المسار يقود إلى الكثير من المعاناة وربما الحرب التي يعرفها الروسيون -من تاريخهم- موجعة.
القصة الأوكرانية والموقع الجيوسياسي لـ”كييف”:
ووسط التصعيد في “الأزمة الأوكرانية” الراهنة، يغيب كثيرا أصلُ القصة التي بدأ بعضها قبل قرون، وبعضها الآخر في القرن العشرين، وبعض ثالث كان بعد ثلاثة عقود فقط من انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي وميلاد نظام عالمي جديد قام على “العولمة” والقيادة الأمريكية، باعتبار ان الولايات المتحدة هي القوة العظمى الباقية.
وعلي مر التاريخ ، لم تكن أوكرانيا دولة مستقلة إلا في فترات قليلة من تاريخها كان آخرها 1917، وبعدها عادت إلى الحياة مرة أخرى في عام 1991.
والحقيقة التاريخية الثانية هي الأوضاع الجيوسياسية لأوكرانيا، فهي واقعة في روسيا عمليًا، كما أن جزءًا من سكانها (تتراوح النسب المعلنة من 17٪ إلى 35٪) ينتمي إلى روسيا لغويًّا ، وبينما صوّت جزء منهم لضم منطقة القرم مرة أخرى إلى روسيا، فإن الجزء الآخر المتبقي داخل أوكرانيا عبَّر كثيرا عن رغبته في الانفصال.
والحقيقة التاريخية الثالثة المعاصرة، وهي أنه منذ الاستقلال الأخير، فإن أوكرانيا تأرجحت ما بين الاقتراب من روسيا؛ “اتقاءً لشرّها”، والابتعاد عنها والاقتراب من المدار الأوروبي والأطلنطي؛ “ردعًا لشرّها أيضًا. وما بين ذلك وتلك، تولدت الأزمة الراهنة بعد أن دخلت فيها عناصر جديدة ظهرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة. وبينما كان العقد الأخير من القرن العشرين مواتيًا بقوة لفك الاتحاد السوفيتي، فإن العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين شهد انتفاضة ويقظة جديدة في القوة الروسية تحت مظلة الرئيس “فلاديمير بوتين”، الذي وجد في تراجع القوى الغربية خلال هذا العقد فرصة من أجل استعادة روسيا لمكانتها مرة أخرى.
وقد ظهر ذلك في سلسلة من الخطوات، شملت التدخل العسكري في جمهورية جورجيا؛ لحماية أقليات روسية، ثم بعد ذلك ضم القرم مرة أخرى من خلال إجراء استفتاء، وخلال هذه الفترة اصبح لروسيا وجود عسكري يتسم بالفعالية في سوريا أضاف إلى قيمةنفوذها في منطقة الشرق الأوسط.
وأخيرا، فإن الختام جاء مع رغبة “بوتين” في الحصول على تعهدات غربية بعدم امتداد حلف الأطلنطي إلى أوكرانيا، واعتبار ذلك تهديدا مباشرا للأمن القومي الروسي. وقد تمت استعادة الروابط الروسية الأوكرانية القديمة، ولكنها ظلت دائما أشبه بلوحة مزخرفة لخلفيةروسيناريوهات اخري ربما تمهد لمطالب في المستقبل، ولكن ما حدث من تحركات روسية خلال الأزمة دار رسميا دائما على منع حلف الأطلنطي من الإطلال على الأراضي الروسية.
صراع النفوذ:
على الجانب الآخر، الأمريكي والأوروبي، وفي مواجهتهما الحالية مع روسيا، تدافع الولايات المتحدة وحلفاؤها عن مبدأ أن جميع جيران روسيا، الأوروبيين، يجب أن يكونوا أحرارًا في السعي للحصول على عضوية الناتو، وأن الناتو يجب أن يكون حُرا في دمجهم.
والحقية الواقعة انه منذ نهاية الحرب الباردة، عملت الولايات المتحدة علي توسيع نطاق الضمانات الأمنية، في شكل عضوية الناتو، فشملت ست دول سابقة في حلف وارسو وثلاث جمهوريات سوفيتية سابقة. ويواصل حلف الناتو الآن الإصرار على أن بابه يجب أن يظل مفتوحًا، وأن ست جمهوريات سوفيتية سابقة متبقية، أربع منها على الحدود مع روسيا، يجب أن تتمتع -بالمثل- بالحرية في التقدم والحصول على عضوية الحلف.
كما أدى تفكك الاتحاد السوفيتي إلى جعل أوروبا منقسمة بين الدول الأعضاء في الناتو والدول محتملة العضوية في الناتو، وروسيا… والحقيقة أن “ميخائيل جورباتشوف” -آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي- و”بوريس يلتسين” -أول رئيس لروسيا الاتحادية- عبَّرا عن اهتمامهما بعضوية الناتو، وتم تجاهل مطالبهما، بينما أصرت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على أنه يمكن لجميع دول حلف وارسو السابقة والجمهوريات السوفيتية الموجودة في أوروبا التقدم بطلب للحصول على العضوية والنظر فيها بجدية.