محمد أبو العيون يكتب: العلاقة المشبوهة.. كبار علماء الأزهر يرفضون نشر تقرير يرد على ضلالات سيد قطب (وثائق)

 

يرتكن الفكر الإرهابي -وبالأخص أفكار المنظر الإخواني سيد قطب- على مجموعة من النصوص التراثية المتشددة، والتأويلات القرآنية المخالفة لأصول الشريعة الإسلامية، ولذا فإن المجابهة الفكرية هي السبيل الأنجع لتفنيد وكشف عوار هذا الفكر، ومن ثَمَّ تجفيف منابعه، وحماية النشء الصغير من الوقوع في براثنه، وتضلع المؤسسات الدينية في مصر -وعلى رأسها الأزهر الشريف- بالدور الأكبر والأهم في معركة مجابهة الإرهاب القطبي فكريًّا، ويرجع تعاظم هذا الدور وأهميته إلى أن «قطب» ألبس -زورًا وبهتانًا- أفكاره الظلامية عباءة الدين الإسلامي.

 

والأمر الأكثر خطورة من تعمد رموز التطرف إلى الركون لنصوص تراثية باليةً، وجنوحهم نحو لي عنق النص القرآني عن طريق تأويله خطئًا وتحميله ما لا يحتمل، يكمن في أن الأفكار المتطرفة تبقى مثل البركان خامدة في عقول معتنقيها، الذين يتحينون الفرصة لينفثوا حمم ظلاميتهم مخلفين آلاف الضحايا الأبرياء، وهذا ما يجعلنا في حاجة ماسة للتكاتف من أجل مجابهة هذه الضلالات فكريًّا، وقد كنا ننتظر من الأزهر الشريف القيام بدور المجابه لهذا الفكر الظلامي والمصدة التي تحمي أبناءنا من التلبس به؛ إلا أن ما فعله أعضاء هيئة كبار علماء الأزهر برئاسة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، كان أمرًا مخيبًّا لكل الآمال والتطلعات.

 

اقرأ أيضًا.. أستاذ الإمام.. كيف شكل «سيد قطب» عقلية «أحمد الطيب»؟ (وثائق)

 

في أوائل العام الحالي 2019، قررت هيئة كبار علماء الأزهر إعادة طباعة مؤلف هام للشيخ محمد عبد اللطيف السبكي (1896 – 1969)، معنون بـ«رسالة في أصول الفقه عند الحنابلة»، ولكن أعضاء الهيئة تعمدوا حذف مقدمة الكتاب المتضمنة لتقرير فند فيه الشيخ السبكي، ضلالات سيد قطب، ورد عليها ردًا مفصلًا من شأنه القضاء عليها وتخليص المجتمع من تبعاتها الكارثية، واستبدلوها بمقدمة أخرى كُلف «عباس شومان»، بكتابتها حين كان يشغل منصب الأمين العام للهيئة، قبل إقالته.

وثيقة 1: (غلاف كتاب «رسالة في أصول الفقه عند الحنابلة» الذي أعادت هيئة كبار علماء الأزهر طباعته)

 

القصة من البداية

ولد الشيخ السبكي، عام 1896 م، وشغل عدة مناصب هامة في الأزهر الشريف، كان أبرزها: اختياره عضوًا بجماعة كبار العلماء، وظل كذلك حتى حل الهيئة عام 1961، ورئاسته لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، وقد بدأ في تدوين رسالته في أصول الفقه عند الحنابلة، في السابع من يناير عام 1943 م، بغية إثبات أن مذهب الإمام أحمد بن حنبل، قائم على قواعد وأسس أصولية راسخة، وأنه برئ من «أتباع أغلب الفرق الضالة التي خرجت على الأمة»، وأن المتطرفين نسبوا أنفسهم زورًا وبهتانًا لهذا المذهب، وغير ذلك من الأطروحات الهامة، التي تُعري الجماعات الإرهابية، وتكشف زيف منهجهم.

وثيقة 2: (مقدمة متن رسالة الشيخ السبكي)

 

وفي العام 1965م، وبتكليف من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وبناءً على طلب الشيخ حسن مأمون، شيخ جامع الأزهر (1894 – 1973)، سطر الشيخ السبكي (كان رئيسًا للجنة الفتوى بالأزهر الشريف وقتئذ) تقريرًا هامًا جدًا عنونه بـ«عن كتاب معالم في الطريق وهو دستور الإخوان المفسدين»، رد فيه على كل الضلالات التي ذكرها المنظر الإخواني سيد قطب، في كتابه: «معالم على الطريق».

وثيقة 3: (مقدمة تقرير الشيخ السبكي، الذي رد فيه على ضلالات سيد قطب)

اقرأ أيضًا.. مخطط “أخونة الأزهر”.. كيف أصبح الأزهر والإخوان شركاء في نفس المسار؟! (الحلقة الأولى)

 

بدأ الشيخ السبكي، تقريره الهام قائلًا: «لأول نظرة في الكتاب يدرك القارئ أن موضوعه دعوة إلى الإسلام، ولكن أسلوبه أسلوب استفزازي، يفاجئ القارئ بما يهيج مشاعره الدينية وخاصة إذا كان من الشباب أو البسطاء الذين يندفعون في غير روية إلى دعوة الداعي باسم الدين، ويتقبلون ما يوحى إليهم من أهداف، ويحسبون أنها دعوة الحق الخالصة لوجه الله وأن الأخذ به سبيل إلى الجنة. وأحب أن أذكر بعض النصوص من عبارات المؤلف، لتكون أمامنا في تصور موقفه الإفسادي:

1- في صفحة (6) يقول (يقصد سيد قطب): «ووجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة، ولابد من إعادة وجود هذه الأمة لكي يؤدي الإسلام دوره المرتقب في قيادة البشرية مرة أخرى.. لابد من بعث لتلك الأمة التي وارها ركام الأجيال، وركام التصورات، وركام الأوضاع، وركام الأنظمة التي لا صلة لها بالإسلام… إلخ»

إن المؤلف يُنكر وجود أمة إسلامية منذ قرون كثيرة! ومعنى هذا أن عهود الإسلام الزاهرة، وأئمة الإسلام، وأعلام العلم في الدين: في التفسير والحديث والفقه وعموم الاجتهاد في آفاق العالم الإسلامي، معنى هذا أنهم جميعًا كانوا في تلك القرون السابقة يعيشون في جاهلية، وليسوا من الإسلام في شيء.. حتى يجيء إلى الدنيا “سيد قطب” فينهض  إلى ما غفلوا عنه من إحياء الإسلام وبعثه من جديد!!».

وثيقة 4: (صفحات من تقرير الشيخ السبكي، الذي رد فيه على ضلالات سيد قطب)

 

وفي ذات العام (1965)، آثر الشيخ السبكي نشر تقريره على صفحات مجلة «منبر الإسلام»، في مقال حمل نفس عنوان التقرير: «عن كتاب معالم في الطريق وهو دستور الإخوان المفسدين»، وقد أحدثت كلمات الشيخ الأزهري وقتئذ ضجة، وكانت سببًا في تحصين عقول الكثيرين من العامة والبسطاء من الوقوع في براثن الفكر القطبي المتطرف؛ إلا أنه ومنذ أوائل سبعينيات القرن المنصرم (تزامنًا مع تفشي الفكر السلفي الجهادي، وعودة جماعة الإخوان المسلمين للظهور على الساحة المصرية) ورى هذا التقرير الهام الثرى، وظل حبيس الأدراج لسنوات بلغت عدتها ثلاثة وخمسين عامًا، وحُرمت الأجيال المتعاقبة من فوائده.

 

جمع الرسالة والتقرير

وفي العام الماضي 2018 م، جمع مفتي الديار المصرية الأسبق، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الحالي، الدكتور علي جمعة، رسالة الشيخ السبكي في أصول الفقه الحنبلي، وتقريره الذي رد فيه على ضلالات سيد قطب، وطبعهما في كتاب حمل عنوان: «رسالة في أصول الفقه عند الحنابلة»، ضمن سلسلة «البيان» التي يُصدرها الدكتور علي جمعة للرد على شبهات خوارج العصر، ويفند فيها فكرهم المتطرف، ويعيد بناء العقلية العلمية حسب النموذج الإسلامي الذي يعتمد على التفكير المنهجي وتقدير التراث وعلماء الدين، وفقًا لما سطره في مقدمة السلسلة.

وثيقة 5: (غلاف كتاب «رسالة في أصول الفقه عند الحنابلة» الذي جمعه وأعاد طباعته الدكتور علي جمعة)

 

عقب ذلك، وبالتحديد في الشهور الأولى من العام 2019، قررت هيئة كبار علماء الأزهر إعادة طباعة مؤلف الشيخ السبكي، وذلك ضمن ما وصف بـ«المشروع العلمي الدؤوب والمتواصل، والذي يهدف إلى إبراز جهود علماء الأزهر وغيرهم من العلماء الثقات قديمًا وحديثًا، وإتاحتها للناس في مصر والعالم الإسلامي أجمع، من خلال نشر الكتب النافعة، والبحوث المحررة، وتقديم التراث بفهم صحيح منضبط بقواعد العلم، يواكب العصر ومستجداته، وينفي عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين»، وفقًا لأمين الهيئة السابق عباس شومان.

وثيقة 6: (مقدمة عباس شومان، التي وضعت بديلًا لتقرير الشيخ السبكي)

 

اقرأ أيضًا.. مخطط “أخونة الأزهر”.. كيف أصبح الأزهر والإخوان شركاء في نفس المسار؟! (الحلقة الثانية)

وبالرغم من أن نسخة مؤلف الشيخ السبكي التي أعادت هيئة كبار العلماء طباعتها، مأخوذة بكل محتوياتها من الطبعة التي نشرها الدكتور علي جمعة ضمن سلسلة «البيان»؛ إلا أن كبار علماء الأزهر حذفوا منها تقرير «عن كتاب معالم في الطريق وهو دستور الإخوان المفسدين»، الذي رد فيه السبكي على ضلالات المنظر الإخواني سيد قطب، واستبدلوه بمقدمة سطرها عباس شومان، وقت أن كان يشغل منصب الأمين العام للهيئة، لتثير هذه الواقعة (غير المقبولة، وغير المبررة أيضا) الكثير من علامات الاستفهام، حول الدور الذي تلعبه هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، برئاسة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في مجابهة الفكر الإرهابي، وبالأخص أفكار سيد قطب، الزعيم الروحي لكل التنظيمات والجماعات الإرهابية.

وثيقة 7: (جزء من تقرير الشيخ السبكي، الذي حذفته هيئة كبار علماء الأزهر، بسبب رده على ضلالات سيد قطب)

حذفت هيئة كبار علماء الأزهر، المقدمة التي تكشف زيف فكر سيد قطب، وتفضح ضلالاته، وتركت مقدمة الدكتور علي جمعة -التي يصدر بها كل جزء من سلسلة «البيان»- كما هي، حتى يظهر الأمر كما لو كان الأخير كان على علم تام بما حدث، وأنه وافق على غض الطرف عن مجابهة الفكر الإرهابي؛ إلا أن الحقيقة التي تأكدت منها أن الهيئة لم تستأذن الدكتور علي جمعة -بوصفه من جمع تقرير الشيخ السبكي ورسالته ونشرهما- قبل إعادة طباعة الكتاب، مما جعله يكتشف الواقعة مثله مثل أي قارئ عقب نشر النسخة المبتورة.

اقرأ أيضًا.. مخطط “أخونة الأزهر”.. كيف أصبح الأزهر والإخوان شركاء في نفس المسار؟! (الحلقة الثالثة)

لقد مضى على إعدام المنظر الإخواني سيد قطب، ثلاثة وخمسون عامًا، وبالرغم من تباعد السنوات؛ إلا أن أفكاره المتطرفة ما زالت تُشكل حاضنة يخرج من رحمها كل يوم جماعة وتنظيم إرهابي جديد، ويأتي كتابه: «معالم على الطريق» في مقدمة مؤلفاته التي يتخذها عناصر الإرهاب دستورًا يشرعنون به أعمالهم الإجرامية، وقد عانت دول العالمين العربي والإسلامي -وفي مقدمتها مصر- من إرهاب الفكر القطبي، وهذا ما يجعل مجابهة ظلامية أفكار قطب «واجب وطني»، و«فرض ديني»، من غير المقبول التقاعس عن أدائه؛ فكيف بمن يقف حائط صد يمنع نشر أي كلمة من شأنها الرد على ضلالات الزعيم الروحي لجماعات الإرهاب؟

 

لقد كفى الشيخ السبكي، الذي رحل عن عالمنا في 31 مارس من العام 1969 م، قادة الأزهر الشريف عبء تفنيد ضلالات سيد قطب والرد عليها، وكان عليهم فقط إعادة نشر تقرير الرجل كما هو -دون زيادة أو نقصان-؛ إلا أنهم بَتروا الكتاب، وجردوه من كل كلمة تتعرض لـ«سيد قطب»، ونزعوا منه ثمرته الكاشفة والمفندة لأفكار قطب الظلامية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار