د، امانى فؤاد تكتب :لا للفوضى .. نعم لمطالب الشعب

التعلم من دروس التاريخ القريب يقتضينا أن نبتعد تماما عن سياق الفوضى الذي يتيح للجماعة الإرهابية وعناصرها الكامنة المنخرطة بعموم الشعب المصري الخروج إلى سطح المشهد السياسي المصري مرة أخرى، وتركهم لترويج الشائعات، وتعميم أحكام الفساد التي تفقد الثقة في جميع القوى، والمؤسسات، والأفراد، وترويع الكثيرين، وتضخيم السلبيات، ونكران كل ما هو إيجابي، علينا ألا ننسى نواياهم وأفعالهم القريبة والبعيدة، ورغبتهم في احتكار حكم هذا الوطن وإلا هدمه وحرقه.

ــ يقتضينا الوعي أيضا ملاحظة تحالف بعض القوى الاقتصادية، والحزبية التي تضررت مصالحها ومكتسباتها السنوات الماضية، وما يمكن أن تفعله تلك القوى في إشاعة مناخ قلق غير آمن؛ ولا مانع مع عقد بعض الصفقات مع قوى محظورة لتقضي على من يمنع احتكاراتها التي كانت تحصل عليها في أنظمة الحكم السابقة.

ــ يقتضينا أيضا أن ننظر إلى مخططات القوى الدولية ومؤامراتها التي لا تنتهي على مصر بوصفها الكيان الدولي الوحيد الذي ظل له تماسكه بعد الثورات في قلب منطقة الشرق الأوسط، واستهدافهم لتفكيك الجيش وبث الفرقة فيه من داخله باعتباره من أقوى مقومات مصر.

ويتطلب هذا الوعي متابعة ورصد كيف تُحرك قيادات الجماعة وتنظيمها الدولي من الخارج، بالتحالف مع بعض القوى الدولية، عناصرها في قلب الدولة المصرية، وتفعّل مخططاتها التي تَلقى وسطا خصبا مع تفشي الفوضى، فيتزايد احتمال وقوع عمليات مسلحة وتخريبية حيث لا يعدمون هذا التوجه في عقيدتهم. ومن عواقب الفوضى المؤكدة سيطرة هذه العناصر الإرهابية وتأثيرهم على عقول البسطاء وتحويلهم إلى أدوات لهدم الدولة من خلال ما يطلقونه من إشاعات فينهار الشعور بالسلم وتأتي الأفعال عشوائية وعنيفة، وهو ما يمكنهم من إضعاف الجميع ومن ثم القفز ثانية على الحكم، خاصة وأنهم لا خلاق لهم يتحالفون حتى مع الأعداء بلا ضمير.

قوام الدولة المصرية وعدم انهيارها مسئولية كل فرد من جموع الشعب المصري فعلينا أن نعي أن تهييج الرأي العام، وإشاعة البلبلة والحيرة، كلها احتقانات حارقة ستصب في انهيار الدولة واقتصادها وأمنها مرة أخرى، وهو ما لن تحتمله ثانية شرائح وفئات كبيرة من المجتمع.

يقتضي المنطق والعقلانية أن نوجد بدائل للتعبير عما يريد الشعب المصري وطلباته من السلطة الحاكمة، وذلك من خلال المطالبة بإيجاد وسائل تواصل مع القيادة التي تتحكم في سياسات الدولة، والحوار والكتابة عما تفتقده الجموع في كل وسائط التواصل وبلا كلل، فالقضية يمكن أن تنحصر في تحقيق القيادة لعدة مطالبات مشروعة لعموم الشعب، والوعي بفقه الأولويات، وفتح مجال العام للتعبير عن الرأي.

ــ ليس من العيب أبدا بناء دولة جديدة حديثة المنشآت، والقضاء على ثقافة وسلوكيات الزحام وما توجده من عشوائيات في الفكر والسلوك، بل هو ضرورة وسياسة ترمي إلى النظر للمستقبل، وهي فضلا عن تشغيلها لكثير من القوى العاملة وتشغيل الشركات وبعض المصانع تعد سياسة تشبه ما صنعه “الخديوي إسماعيل” عندما بنى مصر الحديثة ومنطقة وسط البلد، وهو تراثنا وموروثنا المعماري المميز الذي لم تزل مصر تعيش عليه حتى الآن ونتفاخر به جميعا، ولعلنا نتذكر الانتقادات التاريخية التي طالما طالت الخديوي إسماعيل، وما سببته تلك السياسة من الاستدانة التي أضرت باستقلال الوطن مع أسباب أخرى لفترة تاريخية تجاوزت الثمانين عاما. لا مانع بالطبع من هذا التشييد بل يُستحب وتُقدر الرؤية السياسية التي تتبناه، لكن الشيء الذي يجب أن تلتفت إليه القيادة أن بناء الإنسان الذي سيسكن تلك الجدران صحيا وعقليا ووجدانيا وثقافيا يجب أن يكون بالتوازي مع تلك البناءات، بل له الأولوية، ومن أجله توجه كل مقومات الدولة وإمكاناتها، لا مانع من البناء والحلم بمصر الرائدة الجميلة دوما، لكن ليس من المنطقي إهمال البشر، وزيادة معدلات الفقر من أجل الذين سيأتون في السنوات القادمة.

ما يريد الشعب أن تلتفت إليه القيادة السياسية أن هناك واقع مزري يجب أن يتم معالجته وتطويره فيما يخص الإنسان المصري العادي قبل القصور والمدن الجديدة: منظومة العلاج وتطوير المستشفيات، ووضع نظام تأميني حقيقي شامل يجد فيه البسطاء أماكن آدمية للعلاج وتلقي خدمة لائقة، كما من حقه ألا يتسوّل علاجه من الصدقات والتبرعات.

هل تمتلك قيادة الدولة خطة لتحقيق هذا الهدف في خلال سنوات قليلة قادمة؟ نحن نعرف أن التركة شديدة الثقل والتراكم، لكن الشعب يريد خطط بأوقات زمنية تنجز فيها أولوياته.

فيما يتعلق بالتعليم في مصر وقبل الصراعات على التابلت والرقمنة وخطة وزير التعليم الحالي على ما تتضمنه من محاور شديدة الأهمية وعالية التقنية إلا أنها تفتقر للنظر للكائن البشري الذي بإمكانه أن يحمل أهداف هذه الخطة ويحققها، علينا العمل على إعداد المدرس المصري أولا، ورفع راتبه بما يتسق مع متطلبات العصر، على القيادة أن تبني جسور الثقة مع المصريين حين تراعي احتياجاتهم الطبيعية الآدمية وأن تترجم تلك الاحتياجات إلى مرتبات تحافظ على كرامتهم، ولضمان نجاح خطة مصر لتحديث التعليم علينا إعادة إعداد المعلم ثقافيا وإرسال البعض لبعثات خارجية ومعايشة نماذج ناجحة من أنظمة التعليم.

تنمية حياة الإنسان وتحققه من خلال عمل منتج حقيقي ضرورة لسوائه النفسي وشعوره بالأمان، أين المشروعات التصنيعية التي كان من الأولى أن تتوجه لها كل الميزانيات لأنها هي ما تحقق التنمية المستدامة، وتضمن رفع مستوى دخل الفرد وخاصة بعد القرارات الجريئة التي اتُخذت بشأن تحرير سعر العملة، ورفع الدعم عن الطاقة، حتى ما تم من تلك المشروعات وهو لا بأس به كبداية، لم يشعر بعائده المواطن العادي، هناك خلل وحلقة مفقودة ينبغي دراستها ليستفيد المواطن من تلك التنمية عملا ودخلا وإعدادا مهنيا. فليس من الطبيعي أن تحتكر مؤسسة بدعوى أنها منظمة كل التخصصات التي يضطلع بها المجتمع المدني بكافة عناصره وتنوعها.
تتطلب الحرية أن تكون هناك شفافية وأن ترفع الدولة قبضتها عن معظم وسائل الإعلام والقنوات، أن يكون من حق الجميع مناقشة شئون بلادهم دون خوف أو مسائلة، الإعلام المسيس يضر السلطة أكثر من الذي يتمتع بالحريات ويستطيع الإفصاح عن مطالباته، لا أحد ينكر القوى التي تريد الهدم وأنها تطلبت إجراءات مشددة، لكن رأي الجموع يواجه بالرأي الأخر نحن نريد دولة مؤسسات حقيقية وليست دولة أفراد.

الظهير الحقيقي لكل حاكم أو رئيس دولة ليس جماعته أو قبيلته أو مؤسسة من المؤسسات أو حزب أو تنظيم، ظهير الحاكم الحقيقي القدر الأكبر من جموع الشعوب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار