احمد جلال يكتب ..”ميزان العقل والنفس”

كلما كثر وعي الإنسان نضج عقله وكلما نضج عقله استقبل الأحداث والمتغيرات بسعة صدر وتراحب بكل ما فيها من سعادة وسرور والألم وهموم وتلك هي العقول الواعية التي لا يحركها ساكن أو يتلاعب بها صراع أو يغريها زيف الأحداث، فالوعي إذا تمكن من الإنسان اصبح للإنسان حصانة يحملها العقل ويتحدث بها اللسان فصاحة وبلاغة وحكمة تظهر في العبادات والمعاملات في الشدة والرخاء، فالعقل شيء عظيم وتثفيفه وتنميتة وتطويره واجب ضروري وهو أهم من تطوير المسكن
والملبس حتي يدركنا المثل المصري الصعيدي؟ : ربنا عرفوه بالعقل وهنا الخلاصة: ان لأبد من عقل حاضر مكتمل لعبادة الله ومعرفة شرعه وحدودة وكلما ارتقي العقل بالوعي نتج عنه التفكر والتدبر والتأمل والخضوع التام لله والعمل على كل ما يرضي به الله أكثر وأكثر ،وأن لا وجود لأي حل في كل القضايا والمشكلات دون عقل واعي يخطط ويفكر ويبتكر ويلهم كل من حوله الوعي ويبث الأمل في الآخرين، فالعقل نعمة كبيرة وهبه الله للإنسان لكي يعمل ويفكر ويجتهد ويقبل التحديات ويهدم الإحباط والتشأوم ويغرس الأمل في نفسه ومن حوله وهذه النوعية من العقول تعتبر كنوز الأوطان السمينة الغالية، وعلى الجانب الآخر عقول كالمنازل المهجورة التي لا يسكنها غير ظلام الليالي واتربة الشوراع لا تفتح ابوابها للتهوية ودخول الاكسجين لها حتي تتنفس أو يدخلها الضوء تفكر دوماً في الرجوع للخلف تؤذي نفسها والغير بطرق واساليب متعددة ومنها ما يفتح للجهل والخوف طريقًا من نواحي مختلفة،وها هي العقول التي لا فائدة منها تدمر ولا تعمر تهدم ولا تبني ! حتي التقدم بالسن للبعض لا يعني وضوح الرؤية ونضوج العقل وهذا ما عصرناه فالذي يخفيه العقل يظهر على الأفواه وتحاكي به الأعمال وهو لا يدل على وعي أو خبرة من كل هذه الاعوام التي انتقلوا بها من مكان إلي مكانة ومن عمل إلي أخر!! فإن رجاحة العقل وكثافة الوعي لم تكن في سن أو علم ولكن بالعمل والقصد نحو تطوير العقل وتثقيفه والعمل على كل ما يثمره، وانتقالاً للنفوس
فإن بعض النفوس توزن بالقيراط والجرام وما دونهما ، مثل المعادن النفيسة والذهب ، وبعضها توزن بالطن والكيلة والأردب ، مثل الخردة والقَشّ والتبن !!.
بعضها تُحفظ في علب فاخرة فيثمينة من الخشب النادر المُغطي بالقطيفة والستان الناعم ، وبعضها تُكبس في أجولة وزكائب وبالات من الخيش !!.
وإلا ، فقل لي بالله عليك ، هل يمكن أن نضع نفس أبي جهل وأبي لهب وأميّة بن خلف ، على نفس ميزان بلال وسَلمان وزيد بن حارثة ، رغم أن الفريق الأول من سادات مكة ، بينما الفريق الثاني من العبيد ، لكن شتّان مابين السيادة في مُجتمع جاهلي ، والسيادة في مُجتمع التوحيد !!.
النفس الكبيرة غالية عزيزة أبيّة ، تموت ولا تنحني ، ولا تساوم ولا تنافق ، ولا تقبل الضيّم والمَذلة ، والنفس الوضيعة رخيصة ، تفرح إذا ما أُلقيّ إليها بعض الفتات ، وتتودد إلى عدوها ، وإلى ذوي الجاه والسلطان ، من أجل متعة زائلة ، أو حفنة من مال أو منصب أو غيره!!
النفس الغالية تواجه ، النفس الوضيعة تهرب !!.
النفس الغالية تستغني ، النفس الوضيعة تتدني !!.
أسر المُسلمون { عَمّارة بن الوليد } وهو شقيق { خالد بن الوليد } ، وأبوه { الوليد بن المُغيرة } سيّد سادات مكة ، وبعدما أطلقوا سراحه أعلن إسلامه ، سألوه لماذا لم تُسلم وأنت في الأسر ، قال بأنه خشيّ أن يُقال عنه بأنه أسلم خوفاً منهم ، ومن أجل إطلاق سراحه ، الحقيقة أن نفسه الغالية لم تقبل !!.
وعليك أنت أن تختار لنفسك موضعها ، وفي أي ميزان تكون ، بترويضها ، وكبح جماحها ، وإحكام لجامها ، وإرغامها على التعفف والمَسلك الحق ، والسير في درب الكرامة والشرف !!.
يمكنك أن تضعها في ميزان الذهب ، أو تتركها لهواها فتتردي وضاعةً ، لكيّ يحملها ميزان القَشّ وتكون هي النفس الرخيصة التي تباع وتتشري وتلمع في حالات، وتطفيء في حالات أخري، لكن النفس الكريمة والعقل الواعي ثابتان وان حدث تغير يكون للأفضل والأكرم..