محمد عز الدين يكتب..المسرح السياسي
ما هو التعريف العلمي أو حتى المتعارف عليه للمسرح (السياسي)؟! دعونا نقف عند تعريف ذكره الأستاذ أسامة أحمد فوزي في كتابه -الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة- (المسرح السياسي عند بسكاتور وبريشت): “والمسرح السياسي ليس وليد اللحظة، بل وُجِد منذ البدايات الأولى لنشأة المسرح الذي اقترن دائمًا وأبدًا بالأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو بذلك، أي المسرح السياسي: “يقترن بقضايا الإنسان الكبرى مثل قضية الديمقراطية، وحكم الفرد، وقهر جماهير الشعب في ظل النظم النازية والفاشيستية والشمولية، ويناقش علاقة الحاكم بالمحكوم”.
بناء على هذا التعريف المتماسك، يجب أن نقف عند تجربة غاية في القوة خلال الفترة السابقة، رآها البعض -وأنا أختلف معهم لكونه لم ينقطع، وغير مرتبط بالعرض من خلال الأحزاب والكيانات السياسية- “، عودة للمسرح (السياسي) في مصر، بعرض مسرحية “مجلس العقلاء” التي أنتجها بشجاعة -كما أشيع- أحد الكيانات السياسية الحديثة “كتلة الحوار”، ونال ترحيبًا وإشادة فنية كبيرة! ولربما جاء ذلك أيضًا، لمطابقة نوع العرض (سياسي) لمقتضى الحال (السياسي) كذلك، كما ذُكر في كتاب “المسرح السياسي عند بسكاتور وبريشت”، وهو ما يضعنا أمام تساؤل مهم! هل ستتمكن “كتلة الحوار” من تصعيد انتقادها للنظام الحالي، بعروض مسرح أشد قوة، وأكثر نقدًا لما تمر به الحياة السياسية المصرية؟!
عودًا على بدء، وحرصًا على توضيح موقفي في من جملة “عودة المسرح السياسي” التي يسوق لها -وهو حقهم بكل تأكيد- بعض من رجال الكتلة، يجب أن نؤكد على أن المسرح الجامعي، وعروض الفرق المستقلة، لم تتوقف أبدًا عن تقديم المسرح (السياسي) في أحد أبعاده، بشكل فني مبهر، عاصرتها شخصيًا، منذ أواخر التسعينيات، وحتى الآن في العديد من المهرجانات والعروض المختلفة! كما أن جهة الإنتاج لا تحدد ماهية العرض! ولكن متن النص ذاته، ورؤية المُعِد والمخرج، وإن وجب الاعتراف أن أغلب هذه الفرق، تلجأ للرمزية، والتشابه التاريخي، في عروضها، تجنبًا للوقوف في وجه منفذي القانون.
أرى دومًا أن الفن في حد ذاته يتكيف مع رغبة ورؤية مبدعه، لكنه أيضًا معرض لأن يكيفه المتلقي طبقا لرؤيته ورغبته هو الآخر! ولهذا يرى البعض -وأنا منهم- أن النص الإبداعي الذي يمنحك نفسه من دون محاولة، هو نص غير قوي! لأن انتصار الرؤية -جوهر الإبداع- في النص يمنحه أبعادًا متعددة للتلقي، ويمنح المتلقي مساحة واسعة من الاستمتاع والتأثر به، لذا أقف دومًا مع حرية الفن والإبداع، من دون حصر في أنواع مثل (السياسي، الاجتماعي، الرومانسي…) وتركها لحكم المتلقي، ليحيا لفترات أطول في ذاكرة الجمهور.
الشارع المصري يملك في قلبه، الإلهام الكافي لتأجيج طاقات المبدعين لاسيما المسرحيين، لإنتاج العديد والعديد من المسرحيات والروايات والدواوين التي تناقش كل جوانب مجتمعنا الثري؛ كل ما علينا فقط أن نستمر في اللجوء إليه، لنصف ونجمّل وننقد ما نشاء، من دون قيود نوعية أو غيرها، ولعلي أجد في كلمات الشاعر العظيم “أحمد بخيت” منهجًا نستقي منه البلاغة والتفرّد حين قال: “هل علم البلاغيون أن الشِعرَ في الشارع”؟!
ويدوم العز.