الإيجار القديم وضرورة الحل السياسي

ينتظر الشارع المصري بمختلف فئاته صدور تعديلات قانون الإيجارات لعام 1981، المعروف بقانون الإيجار القديم. يتكرر ظهور هذه الأزمة مع كل دورة برلمانية، في ظل آمال بتحسين أوضاع المؤجّرين الذين يتقاضون مبالغ زهيدة لا تفي باحتياجاتهم، وتتنافى مع مبادئ الدستور الأساسية المتعلقة بالحق في التملك والانتفاع به. ومع اقتراب صدور التعديلات، تبرز عدة تساؤلات ينبغي على الحكومة والبرلمان الإجابة عنها قبل إصدار القانون:
1. هل المستأجر هو المسؤول عن نشوء هذه الأزمة؟
لا. المستأجر التزم بما أقرّته الحكومات المتعاقبة، ودفع التزاماته القانونية كما نصّ عليها القانون. ولم يكن لديه مانع من زيادة الأجرة إذا أُقِرَّت تعديلات برلمانية بذلك. ومن ثمّ، فإن المسؤولية الكبرى عن تفاقم الأزمة تقع على عاتق الحكومات والبرلمانات السابقة التي أغفلت حق المالك في الحصول على إيجار عادل. وقد أدى ذلك إلى استمرار عقود الإيجار القديم بأجرتها الزهيدة وامتدادها للجيل الأول من أبناء المستأجرين مع التأكيد على المبرر القانوني للإمتداد.
وحتى اذا تدخلت الحكومة منذ زمن وزادت الأجرة بنسبة لا تتوافق مع أسعار السوق للإيجار الجديد الحالي فهذا منطقي. لأن المستأجر في نظام الإيجار القديم يتحمّل وحده مسؤولية صيانة الوحدة السكنية وتشطيباتها، وهو أمر مفهوم نظرًا لضعف المقابل المادي الذي يتقاضاه المالك، بخلاف نظام الإيجار الجديد المعمول به منذ 1996، حيث يتحمل المالك مسؤولية العقار بشكل شبه كامل.
2. هل يجوز تحميل المستأجر وحده تبعات تقصير
الحكومات والبرلمانات؟
لا يجوز ذلك، فالأزمة في جوهرها أزمة دولة وسياسات حكومية، ولا يمكن تحميل المستأجرين وحدهم مسؤولية الحل النهائي لها.
3. هل الحد الأدنى المقترح لزيادة الأجرة السكنية (1000 جنيه) مقبول؟
لا، فهناك عشرات الآلاف من الأسر بالكاد تستطيع تلبية احتياجاتها الأساسية. ولا يمكن فرض مثل هذه الزيادة دفعة واحدة، وبدون إشعار أو تجهيزات تضمن الدعم الحكومي للأسر غير القادرة على الدفع.
4. هل يحق للمستأجر الامتداد القانوني لجيل واحد؟
نعم. فقد تم تحصين الامتداد القانوني لجيل واحد بأحكام دستورية نهائية. ولا يجوز الطعن في دستوريته حتى بعد تعديل دستور 1971، إذ أن الدساتير المصرية المتعاقبة منذ عام 1923 حافظت على مبادئ ثابتة أهمها الحق في السكن. وإذا افترضنا أن الامتداد لا يعصى على التعديل التشريعي، فإن أي تعديل يجب ألا يتجاهل هذه الأحكام الدستورية الراسخة.
5. هل تعرّض الملاك للظلم خلال السنوات الماضية؟
نعم، وخاصة فيما يتعلق بثبات الأجرة. والسبب الرئيسي هو تقصير الحكومات السابقة. وعلى الرغم من التحايل عبر دفع خلوات ومقدمات مالية كبيرة وقتها، إلا أن هذه المعاملات وإن لم تكن مثبتة قانونيًا، فإنها مستقرة عرفيًا. والعُرف المستقر قد يسمو أحيانًا إلى مرتبة القانون.
6. هل الحل قانوني فقط؟
لا، فالأزمة أعمق من أن تُحلّ بتشريع قانوني فقط. إذ أن الحل ينبغي أن يراعي الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويجب أن يتم تدريجيًا دون تعجل أو بإستخدام أسلوب صدمة التى تعودت عليه الحكومة الحالية مثل الهرولة الى الغاء الدعم بشكل سريع.
7. إذًا، ما هو الحل؟
الحل يكمن في زيادة الأجرة بشكل عادل ومتوازن دون غلو او شطط، كما نص حكم المحكمة الدستورية العليا في نوفمبر 2024، حيث أكدت المحكمة أن الحل لا يمكن أن يكون قانونيًا فقط، بل يجب أن يشمل الاعتبارات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
8. هل الفترة الانتقالية المقترحة (5 سنوات) مقبولة؟
لا، لا يمكن مطالبة مئات الآلاف من الأسر بتوفيق أوضاعها والخروج من مساكنها خلال فترة قصيرة، دون وجود بيانات واضحة حول أعداد القادرين وغير القادرين، أو خطط إسكان بديل مدعم. وتفتقر الحكومة الحالية إلى الالتزام بأي شيء، كما يظهر في تقاعسها عن تنفيذ النسب الدستورية المقررة للتعليم والصحة، وهي أولويات، فكيف سنثق بالتزامها تجاه أمور تعتبرها الحكومة ثانوية؟
9. نقاط الحل المقترحة:
أن تكون الزيادة في الأجرة السكنية معقولة، بحيث لا تتجاوز 500 جنيه للمناطق الشعبية والمتوسطة، مع زيادة سنوية بنسبة 10%.
إنشاء بوابة إلكترونية لتسجيل الأسر غير القادرة على دفع الأجرة بعد الزيادة، مع التزام الحكومة بدعمهم من خلال صندوق أو ميزانية مخصصة.
تمديد الفترة الانتقالية إلى ما لا يقل عن 10 سنوات، لضمان قدرة الأسر على توفيق أوضاعها، وإتاحة الفرصة للحكومة لتوفير وحدات سكنية بديلة مدعومة.
تأجيل تطبيق التعديلات إلى يناير 2026، لمنح المستأجرين الوقت الكافي للتكيف مع الزيادات المقترحة.
استرداد الوحدات المغلقة التي لم يُستخدم فيها المرافق والخدمات لمدة عام، أو التي حصل مستأجروها على وحدات إسكان اجتماعي أو تراخيص بناء خلال السنوات العشر الماضية.
ختامًا، هذه التعديلات تم الاتفاق عليها من قِبل مجموعة دوائر السياسية التي أشرف بعضويتها، ونعتقد أنها تمثل حلاً وسطًا يُخرج الجميع من الأزمة بأقل الأضرار الممكنة، ويحافظ على التوازن بين حقوق الملاك واحتياجات المستأجرين.




