محمد فوزي يكتب: عن أخطر ما يواجهنا!
عانت المجتمعات العربية على مدار عقود من العديد من الأزمات التي كانت ولا زالت مهددا رئيسيا لها ومعوقا لأي تقدم قد تسعى إليه هذه المجتمعات أو النظم السياسية الحاكمة لها.
والمؤكد أن استمرار بعض مظاهر هذه الأزمات حتى اليوم يرتبط بشكل رئيسي بعدم وجود محاولات جادة لبحث جذورها ومسبباتها الرئيسية، والمتأمل في أوضاع هذه المجتمعات خصوصا بعد ثورات الربيع العربي وما تبعها من تداعيات وأحداث كشفت تهاوي وتهالك هذه المجتمعات، يدرك أن أزمتنا الحقيقية تكمن في البناء السفلي أي المجتمع أو النظام الاجتماعي.
هذا النظام الذي يشمل كافة مظاهر التراث الاجتماعي من عادات وتقاليد وثقافات وممارسات وأفكار قد وصل إلى هذه المرحلة نتيجة للعديد من الظروف والمسببات يقع في القلب منها كما أشار تقرير التنمية الانسانية الأول الذي صدر عام 2002 عن الأمم المتحدة إلى “الفقر المعرفي” حيث ذهب التقرير إلى أن أخطر أنواع الفقر التي يواجهها العالم العربي هو الفقر المعرفي، ثم جاء تقرير التنمية الانسانية الثاني تحت شعار “نحو إقامة مجتمع المعرفة” وطرح رؤية استراتيجية لهذا المجتمع دعا من خلالها إلى تأسيس نموذج معرفي عربي أصيل منفتح ومستنير.
لقد سلط تقرير التنمية الانسانية الأول الضوء منذ فترة على أخطر ما يواجه مجتمعاتنا العربية ولكن أحدا لم ينتبه لذلك، وإنه لمن المضحكات المبكيات أنه بعد صدور هذا التقرير تصادف أن تم عرض أحد البرامج لأحد الدعاة السلفيين تحدث فيه عن “جهاد المرأة” وأن دورها في الصراع العربي الإسرائيلي ونصرة القضية الفلسطينية يتمثل في تنشئة أجيال من المؤمنين المقاتلين الأشداء! والحقيقة أن هذا الخطاب الذي تبناه ولا زال يتبناه هؤلاء الدعاة لا يقتصر فقط على أصحاب هذا الفكر وإنما انتشر وتم الترويج له لدى قطاعات عريضة من الشعوب العربية فأضحت الآلية التي يتم بها نصرة القضية الفلسطينية هي إنتاج المقاتلين المؤمنين الأشداء!.
لم يدرك هؤلاء أو القائمون حتى على الخطاب الديني أو السياسيون أن القضية الفلسطينية لا تحتاج إلى مقاتلين أشداء وإنما تحتاج إلى دعم دول تأخذ طريقها إلى النهضة والتنمية عبر إصلاح المناخ والحياة السياسية ووجود برامج تنموية حقيقية تكون أولويتها هي فكرة “بناء الإنسان” ومحاربة الفساد وإعادة بناء النظم التعليمية والمجتمعية المتهالكة، لم يدركوا أن الشاب المبدع المخترع المفكر خير وأنفع لأمته من ذاك الذي يحول نفسه إلى قنبلة، والحقيقة أن الأنظمة السياسية كان خطأها جسيماً حين سمحت لمثل هذه الخطابات المتطرفة السطحية بالانتشار وهو ما عمق من الأزمة، هذا فضلا عن عدم السعي لإعادة بناء المنظومة التعليمية والثقافية والدينية والسياسية بما يحقق فكرة “بناء الإنسان” وهو الطريق الأمثل لمواجهة الفقر المعرفي وحالة التهالك التي يعيشها المجتمع.
يقينا فإن الفقر المعرفي هو أخطر ما يواجهنا وذلك في ضوء ما يشهده العالم من سباق يشتد يوما بعد يوم على العلم والمعرفة والتكنولوجيا، خصوصا بعد أن اقترب العالم من تخطي الموجة الثالثة التي ميزها “الفن توفلر” عن الموجتين السابقتين، حيث اعتمدت الموجة الأولى على الفأس وأدوات الزراعة، بينما ارتبطت الثانية بالثورة الصناعية، في حين ارتبطت الثالثة والتي اقتربنا من تجاوزها بثورة المعرفة والاتصالات والتي تقسم العالم إلى عالمين تزداد الفجوة بينهما بشكل سريع.
عملية إعادة بناء المجتمع على أساس فكرة “بناء الإنسان” مرهقة وشاقة ولكنها بلا شك هي السبيل الوحيد والأمثل للخروج من كافة الأزمات التي نعاني منها.