د/ أحمد حسين يكتب.. الدرس المُرعب سقطت سوريا

سوريا دولة أرض شعب حدود ذات سيادة وقوة وفعل ومؤسسات ومحيط دولي مؤثر وتاريخ ونضال وطني وعروبي بين عشية وضحاها سقطت سوريا وتهاوى وجودها وقوتها وغابت مؤسساتها وأصبحت هي والعدم سواء، لم تسقط في حرب، ولم تهوى في صراع، بل سقطت من الداخل ودون أن يطلق أعداءها الصهاينة طلقة واحدة، تبخرت المؤسسات، وغابت القوة ،وتمزقت سوريا، وتفتت البنية الاجتماعية في صورة مرعبة لي لم تكن في خيالي ولم تكن في خيال أي أحد أن يحدث ذلك، ولكن للأسف حدث ذلك بيد أبنائها ومن داخلها ودون شقاء حرب أو عناء عدو .
سقطت سوريا عندما غُيب الدستور ، وانتهكت بنية سيادة دولة القانون، وعملت كل المؤسسات لخدمة حافظ الأسد وتوريث ذلك لبشار وسحق الدستور وتعديله ليتناسب مع سن الوريث وبقاؤه في الحكم.
سقطت سوريا باحتكار السلطة ، وباستبداد سياسي مرعب، وبتغييب الإرادة الشعبية والتداول السلمي للسلطة بتزوير الانتخابات الرئاسية وبخلق صورة لأحزاب سياسية وما هي سوا جماعات منتفعين مأجورة وفاسدة تتكون بها المؤسسة التشريعية والنيابية وتفرض على السوريين عبر التزوير الفج بعيدا عن الإرادة الشعبية وبعيدا عن الأدواره المؤسسية التي تنطلق من هذه الإرادة وتحقق مصالحها.
سقطت سوريا نتاج تغيب تام للعدل والعدالة وسحقها تحت إرادة ما يريده رئيس الدولة وسلطته وأمن كرسيه،
وبسياسات فساد سياسي واقتصادي عبر انفراد كامل لزمرة فاسدة بالقرارات السياسية والاقتصادية، وتمييز سياسي وطائفي بغيض بين أفراد الشعب، وغلق الأفق والمجال والأمل أمام الشباب، وتغييب تام للحياة المشتركة بين أبناء الشعب الواحد في ظل الانتقال الطبقي وفقا للكفاءة، وإطلاق يد الأجهزة الأمنية لحماية الأمن السياسي للرئيس في ظل تغييب تام للأمن القومي الحقيقي لسوريا وربط المؤسسات الأمنية بشخص رئيس الدولة وبحماية وجودة كرئيس لا سوريا كوطن، سلسلة من الإجراءات الجهنمية الفاسدة والمهلكة والتي انساقت فيها مؤسسات الدولة وبنيتها القانونية والتشريعية والمؤسسية والتي كانت نهايتها سقوط هذه المؤسسات وتدمير تلك البنية. فالجيش العربي السوري تم تدمير كل سلاحة تسليح بملايين الدولارات من مدخرات الشعب أسلحة معدات بنية تسليحية متكاملة، وقوة عسكرية بشرية معدة ومؤهلة ومدربة تبخرت وأصبحت كالعدم، وتم هدم كل مؤسساته لتصبح لا قيمة له ولا وجود للعنف والأجهزة والبطش والقبضة.. انتهت وتهاوت.
ونحن نقول هذا لنتعلم الدرس ولنعي من تجارب المحيط حتى نحفظ وطنناونحميه، وهذا الدرس المرعب لسقوط سوريا مفاده
أن ما حدث في سوريا مؤداه أن هناك شرعية للحُكم ؛ وشرعية الحُكم هي الإرادة الشعبية المتجسدة في دستور وتداول سلمي للسلطة لا احتكارها في يد فرد ومرتزقة تهلل له وتٓفسد بوجوه وتُفسد الوطن وتدمره.
هناك شرعية لوجود الجيوش وهو حماية الوطن ومواطنيه.. فإذا فقدت هذه الشرعية فقدت قيمة وجودها بين منتسبيها وتحولت الجندية والشرف والدفاع عن الوطن الذي لا يضاهيه قيمه إلى العصبة والارتزاق والعصابة وهنا فقدت الشرعية الحامية وهي الوطن الشرف القيمة في نفوس جنوده وضباطه.. وعندها يسقط الوطن عند مواجهة أي تحدي وهو ما حدث في سوريا
فقدت الشرعية للنظام، وفقدت قيمة الشرف والقيمة والوطن في نفوس جنود الجيش السوري فسقط الوطن وتفتت وهوى.
درس سوريا المرعب
أن الظلم والتمييز الطائفي وتغييب دولة سيادة القانون والدستور نهايته تفتيت وتخريب أي وطن متماسك وصفة مثالية لا يطمح لتحقيقها أعدا أعدائنا
لتدمير العالم العربي بيد أبنائه.
وبالتالي نصل للعظة ودرس سوريا المرعب عنوان عريض مفادة
كيف نخرب أوطاننا بأيدينا، العدو لايحتاج تدميرنا نحن نصنع أكثر مما يتوقعه أعدائنا.
نحن نسحق أوطاننا ونفتتها ونمزقها ونزرع الحقد والكراهية بين المواطنين ونرفع محدودي الكفاءة والفاسدين والأفاقين والمرتزقة.
سوريا عنوان لكيف تدمر وطن قوي بيد أبنائه وتحوله للا شئ.
درس سوريا المرعب خلاصته أنه لا خلاص مع أي ديكتاتور، ولا مستقبل مع مستبد، ولا نجاح مع سلطة قمع، ولا أمل مع بنية سياسية فاسدة يحركها حاكم فرد متوهم النجاح ؛ بل تدمير الأوطان وإفراغ لقوتها وضياع لحياة شعوبها وتدمير لبنية الإنسان ولقوة وجوده وحياته.
ومن ثم درس سوريا المرعب كما جسد درس السقوط والانحطاط والتدمير يرشدك لطريق النجاة ويخط لك مفردات الإنقاذ ويفصل أليات البناء للدولة المتماسكة القوية المهابة بين الأمم والتي في القلب منها بنية حاكمة وراسخة نظام ديمقراطي راشد وبنية دستورية مرجع وحكم تحقق التداول السلمي للسلطة، الرئيس موظف يؤدي مهام دستورية وفق مدتان رئاسيتان لا يتم تجاوزهما أبدا، ويتم وفق انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، دولة سيادة القانون الجميع فيها أمام القانون سواء، والحَكم والمعيار التشريع القانوني المجرد في مواجهة كافة المواطنين دون تميز، حرية سياسية ومجال سياسي مفتوح أمام التنافس والإختيار الحر من الشعب والمصون بنزاهة وشفافية، حريات عامة وشخصية ومؤسسية مكفولة ومصونة ومحترمة، دولة مؤسسات دستورية تؤدي وظائفها وفقا للدستور وتتبعه لا تتبع الحاكم مع فصل تام بين السلطات ، مجلس نواب منتخب بحرية وبنزاهة وشفافية وبإرادة شعبية يشرع ويراقب وفق مصالح هذه الإرادة ، سلطة قضائية مستقلة تعمل في ضوء دولة سيادة القانون ومرجعية الدستور وحقوق المواطنين ، سلطة تنفيذية تعمل في ضوء رقابة ومساءلة ومحاسبة، مؤسسة عسكرية وظيفتها حماية الأمن القومي وحدود سيادة الوطن ووجوده ولا تمارس العمل السياسي والحكم والاقتصاد ، مؤسسات أمنية تعمل في ضوء أمن المواطن وحماية حرياته وفق القانون ومرجعية الدستور .
ملخص الدرس المرعب دولة مؤسسات لا يمكن تجاوزها أو التلاعب بها لصالح الحاكم، سيادة دولة القانون على الجميع وللجميع، مجال سياسي مفتوح يفرز القيادات والكفاءات في ظل تنافس سلمي يفرز الأكفأ والأجدر لقيادة الوطن ، مؤسسات أمنية تعمل في ضوء أمن وحماية المواطن ، مؤسسة عسكرية تعمل لحماية الشعب وسيادة الوطن ، مواطن حر ومواطنة قيمة وحكم لعمل كل بنية أركان الدولة ومؤسساتها.
درس سوريا المرعب يعطيك درس السقوط ويرشدك أيضا لطريق النجاة وحفظ الأوطان دون أن تعاني مرار التجربة وقسوة خوضها وآلام معاناتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!